كيف سينزل نتنياهو من فوق هذه الشجرة؟

TT

قرأت واستمعت مرتين إلى خطاب نتنياهو خلال جلسة مشتركة في الكونغرس الأميركي يوم الثلاثاء الموافق الرابع والعشرين من مايو (أيار) الماضي. وقرأت يوم الأربعاء الماضي في صحيفة «هآرتس» العبرية أن رؤوبين رفلين، رئيس الكنيست الإسرائيلي، وإيلي يشاي، وزير الداخلية، وعددا من الوزراء قد حضروا حفل تدشين المستوطنة اليهودية الجديدة «معاليه زيتيم»، المقامة في حي رأس العمود بالقدس الشرقية بعد يوم واحد من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكونغرس عن عدم النية لتقسيم القدس.

حينها تذكرت القصة الشهيرة لجلال الدين الرومي في ديوانه «المثنوي»، هي قصة الأسد الغريب.

«ذهب قزويني إلى أحد الوشامين قائلا ارسم علي وشما أزرق وأحسن الصنعة

قال: أي صورة أشم أيها البطل؟ قال: شِم صورة أسد جسور.. فأنا من برج الأسد.. وجاهد في أن يكون لون الوشم مشبعا.

قال: على أي موضع أقوم بالوشم؟ قال: شِم تلك الصورة على كتفي وعندما بدأ يخزه بإبرته شعر بألمها حتى أعماق كتفه.. فبدأ البطل في الصراخ، قائلا أيها المحترم قتلتني.. ترى أي صورة ترسمها؟

قال: لقد أمرت بصورة أسد..

قال: من أي عضو بدأت؟

قال: بدأت من منبت الذيل..

قال: دعك من الذيل يا عيني.. فلقد انحبس نفسي من ذيل الأسد ومنبت ذيله.. فقل للأسد أن يكون بلا ذيل يا صانع الأسد.

وبدأ في الوخز من ناحية أخرى.. فصاح به: أي عضو هذا فيه؟

قال: هو الأذن..

قال: لا كانت له أذن.. دعك من الأذن..

فبدأ بالوخز في جانب آخر.. فبدأ القزويني في الصراخ.. أي عضو ذلك الجانب؟

قال: إنه بطن الأسد قال: لا ‎كانت للأسد بطن..

فاندهش الوشام وازدادت حيرته وألقى الإبرة على الأرض من الغضب.. قائلا من رأى أسدا بلا ذيل ولا رأس ولا بطن؟

(«المثنوي» لجلال الدين الرومي - ترجمة: إبراهيم الدسوقي شتا - الكتاب الأول - ص 276 - 278)»

وتبين لي أن حالة الفلسطينيين ستكون كحال أسد الرومي، حيث قال نتنياهو في خطابه بكل صراحة وبغطرسته المعتادة:

1 - إن إسرائيل لن تعود إلى حدود 1976.

2 - وإن الفلسطينيين من جميع أنحاء العالم لديهم حق الهجرة، إذا ما أرادوا ذلك، إلى دولة فلسطينية. وهذا يعني حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود إسرائيل.

3 - إنه لن يتم تقسيم القدس مرة أخرى، بل يجب أن تظل عاصمة موحدة لدولة إسرائيل.

4 - إنه من الضروري أن تكون دولة فلسطين منزوعة السلاح لضمان أمن إسرائيل.

5 - كما إنه من الضروري أن تحافظ إسرائيل على وجودها العسكري طويل المدى على طول نهر الأردن.

6 - مخاطبا الرئيس عباس: مزق اتفاق المصالحة مع حماس، ثم اجلس إلى الطاولة وتفاوض!

هذه هي الدعائم الست للدولة الفلسطينية، التي تشبه تماما الأسد من دون رأسه أو أسنانه أو كفيه. ويبدو أن الدولة الفلسطينية لن تكون سوى حبر على ورق.

وبالنسبة للفلسطينيين، فإن خطابه هذا ينزع إلى القتال أكثر منه إلى الاسترضاء وقد تجاوز عددا من الخطوط الحمراء، خاصة بالنسبة لمستقبل القدس. كما أصر نتنياهو على بقاء وادي الأردن، الذي يمثل 30 في المائة من مساحة الضفة الغربية، تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي. ورغم وعوده بأن يكون كريما فيما يتعلق بحجم الدولة الفلسطينية المستقبلية، جاء عرضه دون مستوى العرضين اللذين قدمهما إيهود أولمرت وإيهود باراك اللذان شغلا هذا المنصب قبله. ومن الواضح أن نتنياهو قد دمر عملية السلام. وكتب غيديون ليفي مقالا بصحيفة «هآرتس» بتاريخ 25/05/2011 وجه فيه انتقادا شديدا لنتنياهو قائلا «لقد كان خطابا دون هدف، ملئ بالأكاذيب والأوهام. فنادرا ما يتم دعوة رئيس أجنبي للتحدث أمام الكونغرس. من غير المحتمل أن يكون أي شخص آخر قد حاول أن يروج لهذا الكم من الدعاية والخداع، وهذا النفاق والتظاهر بالتقوى مثلما فعل بنيامين نتنياهو أمس. وينم نهوض أعضاء الكونغرس عدة مرات ليصفقوا له عن جهلهم بقيمة خطاب ضيفهم، فعندما تحدث عن الوجود الإسرائيلي على نهر الأردن قاموا بالتهليل. وعندما ذكر أن القدس الموحدة ستظل عاصمة إسرائيل قاموا بالتصفيق. هل يعلم النواب الأميركيون المنتخبون أنهم يهللون لموت الفرصة؟ إذا كان ذلك هو ما تفضله أميركا، فنحن في ورطة كبيرة».

وعلى الجانب الآخر، نهض أعضاء الكونغرس ليصفقوا لبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي 29 مرة أثناء إلقائه لخطابه يوم الثلاثاء الماضي. ولا أتذكر حدوث مثل هذا التصفيق في تاريخ الكونغرس من قبل، بل ولم نشهد ذلك في الكنيست أيضا. ما هي الرسالة الحقيقية التي يقدمها الكونغرس؟ يبدو لي أن إسرائيل والكونغرس يريدان أن يوضحا لجميع الدول العربية والإسلامية أن قلب إسرائيل ينبض في واشنطن، في الكونغرس.

ولم يخف نتنياهو الصعوبات التي واجهها في الكنيست بعد اعترافه بأن المناظرات في الكنيست أكثر صعوبة منها في الكونغرس، حيث قال «إذا كنتم تعتقدون أنكم هنا في الكونغرس تقسون على بعضكم البعض، أدعوكم إلى قضاء يوم في الكنيست».

يريد نتنياهو أن يكون كالواعظ أو المعلم الذي يرشد العرب والمسلمين إلى طريق الحرية والديمقراطية والسلام. ولكي يجعل الأمور أكثر سوءا، قام بتوجيه إهانة إلى جميع العرب والدول العربية، حيث قال: «نفخر بأن أكثر من مليون مواطن من عرب إسرائيل يتمتعون بهذه الحقوق منذ عقود طويلة. فمن بين الـ300 مليون عربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان عرب إسرائيل فقط هم الذين يتمتعون بحقوقهم الديمقراطية الحقيقية».

وقد مثل خطاب نتنياهو نهاية لعملية السلام في الشرق الأوسط، بل وأفضل تبرير لتركة بن لادن. فما من شك عندي أنه عندما يستمع الفلسطينيون والعرب والمسلمون في العالم الإسلامي ويتفكرون في كلمات نتنياهو، سيقتنعون أنه ما من طريق سوى الجهاد.

يريد نتنياهو إقامة الدولة الفلسطينية لتكون مثل أسد من دون رأس أو عين أو كفين. هل يعتقد نتنياهو أن العرب والمسلمين بما فيهم الفلسطينيون سذج إلى هذا الحد ليتجرعوا مثل هذا الكلام السام؟ فليس الفلسطينيون فقط، بما فيهم فتح وحماس، هم وحدهم الذين سيرفضون هذه الآراء والاقتراحات، فحتى في إسرائيل نفسها، ينتقد أصحاب الرؤية الذين يتطلعون إلى المستقبل نتنياهو بشدة، ويعتقدون أن نتنياهو قد دمر عملية السلام.

ويقول نتنياهو في كتابه «السلام الدائم»: «في الآونة الأخيرة، تم تقديم شيطان جديد في المناقشات السياسية عن مستقبل الشرق الأوسط. هناك من يقول إن مسؤولية آلاف السنين من العناد والتطرف والتعصب الديني في الشرق الأوسط اجتمعت في شخص واحد هو أنا» (ص. 321) وسيمثل خطاب نتنياهو دليلا مهما للغاية يوضح من المسؤول عن تدمير عملية السلام.