واقتربت مرحلة سقوط العقيد

TT

يعتبر قرار التحالف الغربي استخدام الهليكوبترات المسلحة في شن هجمات على الكتائب الأمنية تحولا كبيرا في خطط إسقاط نظام القذافي. ومع بدء الهجمات، دخل عامل حاسم جديد ساحة الصراع، سيؤدي إلى إحداث تطورات لم يكن ممكنا الوصول إليها سابقا، ومن غير الممكن توقعها على المدى المنظور لولا هذا التطور الحاسم.

خلال القرن الماضي كتب المحللون والخبراء العسكريون قواعد كثيرة عن الحرب الحديثة، وأجمعوا تقريبا على أن القوة الجوية لا تحسم حربا. أما الآن، فقد تغيرت المعادلات والنظريات التقليدية لصالح نظريات مخالفة. فحرب العراق عام 1991 حسمتها الضربات الجوية التي مهدت الطرق أمام القوات البرية. وفي ليبيا أمكن حتى الآن تدمير أكثر من ثلث قوات القذافي بالضربات الجوية. أما ما دمرته قوات المجلس الانتقالي فلا يزال رقما بسيطا لأسباب واقعية.

ومع دخول الهليكوبترات الهجومية ساحة القتال، فإن قوات القذافي ستحرم من حرية التنقل الواسع على الطرقات، ولن يقدم لها انتشارها في المناطق المبنية الحماية التي توافرت لها خلال الأسابيع الماضية من الحرب، مما يعرضها لخسائر فادحة.

طيلة أسابيع الحرب الليبية تعرض نظام القذافي لعملية تجريد استراتيجي، بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية، وقصف أهداف عسكرية وأخرى ترتبط بالقدرات القتالية، وشنت عليه حرب نفسية مؤثرة. ومع أنه قد فوجئ على ما يبدو بما حدث من انهيارات أمنية خلال الأيام الأولى من مرحلة الاحتجاجات فإنه بقي متماسكا وواثقا من إعادة السيطرة على بلاده خلال بضعة أيام، وهو ما كان سيحصل لولا التدخل الغربي السريع. الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن الجهد الرئيسي لقوات القذافي لا يزال متماسكا نوعا ما، وقد فشل المجلس الانتقالي رغم إسناد غربي نادر في استقطاب قادة كبار مؤثرين، أو تنظيم عملية تمرد على النظام، أو إعداد عملية انقلابية، مما أعطى صورة مغايرة لما كان متصورا عن غوغائية النظام وعشوائيته. فالقوات الليبية لم يكن يحسب لها حساب من قبل. والوزراء والمسؤولون الكبار الذين انشقوا عن النظام (ومعظم قادة الثوار من المنشقين)، لم يسجل لهم تأثير كما يفترض، وهذا يدل على أن السيطرة على القوات كانت محصورة بيد القذافي وأبنائه. ولم يعد خافيا أن الإعداد النفسي لقوات حماية النظام كان دقيقا وصارما على الرغم من أن القذافي لا يقود حزبا قويا منظما كما هو حال نظم أخرى. المجلس الانتقالي لم يقدم قيادة عسكرية مؤثرة كما يفترض، وليس قائدا واحدا قد يُختلف عليه، أما القادة السياسيون فلا يثيرون وحدهم اهتمام مقاتلين مشبعين بالامتيازات ومشحونين بأفكار ومجهزين بأسلحة تقليدية حديثة، خصوصا عندما يكون هؤلاء السياسيون ممن عملوا مع النظام وانقلبوا عليه متأخرين. فنظرة القادة العسكريين تبقى فوقية تجاه سياسيين من خارج حلقة النظام الضيقة. ومقارنة بعشوائية وفوضوية بعض تصرفات النظام اليمني، التي تتسم بالجرأة والبساطة والثقة في حالات كثيرة، خصوصا أداء صلاة جماعية لكبار مسؤولي الدولة في مكان معلوم وظروف حرب داخلية، فقد أظهر القذافي مهارة في الاختباء وبقي قياداته سالمين إلى حد كبير.

وفي كل الأحوال، فإن مرحلة العقيد القذافي أصبحت في فصلها الأخير للأسباب التالية:

• تصميم التحالف الغربي على مواصلة الحرب حتى إسقاط القذافي ونظامه، مستندا إلى قدرة حاسمة في استمرار فرض العقوبات الاقتصادية وتشديد الضربات العسكرية. ويستحيل على القذافي تأمين مستلزمات الحرب تحت عقوبات شديدة وعمليات تجريد وتدمير لمناطق تخزين مواد تموين القتال.

• مهما بلغت الروح المعنوية لمقاتلي الكتائب الأمنية من قوة، فإن من الصعب المحافظة عليها مع استمرار الحرب. فروح المقاتلين ترتبط في النهاية بملامسة مشاعر الوجود، وكلما تعززت القناعة بحتمية النهاية تفاقمت حالات الانهيار.

• الهليكوبترات المسلحة ليست سلاحا عاديا عندما تكون وسائل الدفاع الجوي للطرف المقابل محطمة. فزج أعداد مناسبة منها يجعل الغرب بعيدا عن خيار إرسال قوات برية، ويؤمن قدرة رصد مباشر وتتبع سريع من نقطة إلى أخرى، كما أنها مزودة بوسائل تسديد وتصويب أكثر دقة وتأثيرا من الوسائل الأرضية المحسوبة لدى الطرف المقابل.

• أحد أسباب استمرار المعضلة الليبية يكمن في أن المعارضين ينظرون إلى الطائرات في السماء أكثر من البحث عن بناء قدرة ذاتية. ومع ذلك، فإن الكثيرين منهم لا يجيدون لغة التسامح.