نصيحة للصين

TT

عزيزي الرئيس هو جينتاو. لقد طلبت تقييمنا عن الربيع العربي، وكان استنتاجنا هو أن الثورات في العالم العربي تنطوي على بعض الدروس الهامة لحكم الحزب الشيوعي الصيني، وذلك لأن هذه العدوى تكشف عن شيء جديد للغاية بشأن الكيفية التي تتكشف بها الثورات في القرن الحادي والعشرين، كما تكشف عن شيء قديم للغاية حول السبب وراء تفجر هذه الثورات.

دعنا نبدأ بالشيء الجديد. في وقت ما من عام 2000 تقريبا، حقق العالم مستوى متقدما جدا من الاتصال، مما أدى فعليا إلى تمهيد الملعب الاقتصادي العالمي. وقد بنيت شبكة الاتصال هذه على انتشار أجهزة الكومبيوتر الشخصية والكابلات وشبكة الإنترنت وخوادم الويب، وهو ما جعل بوسطن وبكين أو ديترويت ودمشق جيرانا متلاصقين، وجعلت قرابة ملياري شخص يتحدثون معا من مختلف الأماكن في العالم.

حسنا سيدي، ففي الوقت الذي كنا نركز فيه على الركود في الولايات المتحدة، تحولنا من عالم متصل إلى عالم «متصل بدرجة كبيرة»، حيث تم ربط بوسطن وبكين والآن باوتو بقلب منغوليا. وقد اعتمد هذا الاختراق العميق للاتصال على هواتف جوالة أكثر ذكاء والنطاق العريض اللاسلكي والشبكات الاجتماعية. وبفضل هذه التقنية في الاتصال والتي تتمتع برخص ثمنها وتنقلها، انضم مليارا شخص من المناطق النائية إلى المحادثة العالمية. وبتطبيق ذلك على الشرق الأوسط، ربط هذا البرنامج الجديد ديترويت ودمشق ودرعا. ولعلك تسأل الآن: أين تقع درعا؟ والحقيقة أن درعا هي مدينة حدودية صغيرة في سوريا شهدت انطلاق الشرارة الأولى للثورة السورية، ويقوم سكانها بنشر مقاطع فيديو وموضوعات على «تويتر» وموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» تظهر الفظائع التي يرتكبها النظام السوري منذ ذلك الحين.

والنقطة الأساسية الآن، سيدي، هي أن العالم قد أصبح: «متصلا بدرجة كبيرة»، ولم يعد هناك شيء اسمه «محلي»، ويتدفق كل شيء الآن وعلى الفور من البقاع النائية في أي بلد إلى هذا «المنبر» العالمي الذي يتم فيه تبادل هذه الأشياء الجديدة. ما فعلته أجهزة الجوال بالإضافة إلى خدمة الإنترنت ومحرك البحث على صفحات الويب قد مكن «أي شخص» من العثور على «أي شيء» يهتم به. وما يقوم به الهاتف الجوال بالإضافة إلى خدمة الإنترنت والـ«فيس بوك» هو أنه قد مكن «أي شخص» من إيجاد «أي شخص» مهتم به، ومن ثم التنسيق معه وتبادل الشكاوى ومشاركته في التطلعات.

لقد ولت تلك الحقبة التي كان يقوم فيها الديكتاتوريون العرب بالسيطرة على التلفزيون والراديو الذي تديره الدولة وحرمان شعوبهم من كل المعلومات. ولا يمكن للسوريين إغلاق شبكات الهواتف الجوالة مثلما لا يمكنهم إغلاق شبكات الكهرباء.

فكر مليا سيدي في هذا الأمر. لقد منعت سوريا جميع الشبكات الأجنبية، مثل «سي إن إن» وهيئة الإذاعة البريطانية، من تغطية الأحداث، ولكن إذا دخلت على موقع «يوتيوب» وكتبت «درعا» فسوف تشاهد مقاطع فيديو يتم تحديثها باستمرار تبين حملة القمع التي يقوم بها النظام السوري، وقد قام السوريون بتصوير هذه المقاطع باستخدام الهواتف الجوالة أو الكاميرات التقليدية، ثم قاموا بتحميلها على «يوتيوب» أو مواقع إلكترونية تم إنشاؤها حديثا مثل «شبكة شام نيوز». ولم يعد هناك أي شيء يمكن إخفاؤه بعد الآن.

أما الاتجاه الثاني الذي نراه في الربيع العربي فهو مظهر من مظاهر «قانون كارلسون» الذي وضعه كورتيس كارلسون، الرئيس التنفيذي لشركة «إس آر آي» الدولية في منطقة وادي السليكون، والذي ينص على: «في عالم يحصل فيه الكثير من الناس الآن على التعليم وأدوات زهيدة الثمن للابتكار، يميل الابتكار الذي يحدث من الأسفل للأعلى إلى أن يكون فوضويا ولكن بذكاء، أما الابتكار الذي يحدث من الأعلى للأسفل فيميل إلى أن يكون منظما ولكن بغباء». ونتيجة لذلك، كما يقول كارلسون، فإن الموضع الجميل للابتكار «يتحرك للأسفل» اليوم، بالقرب من الناس، وليس للأعلى، وذلك لأن الناس معا يكونون أكثر ذكاء من أي شخص بمفرده، ولدى الجميع الأدوات اللازمة للابتكار والتعاون.

وكان نظام حسني مبارك في مصر غبيا وبطيئا بالدرجة التي لم تمكنه من إدارة الاضطرابات. وكان الثوار في ميدان التحرير أذكياء ولكنهم فوضويون، ودون قيادة. ولذلك فإن دور القادة اليوم - سواء في الشركات أو الدول - هو الإلهام والتمكين، ثم تحرير وخلط كل الابتكار القادم من أسفل إلى أعلى، بيد أن ذلك يتطلب مزيدا من الحرية في القاعدة. هل تفهم ما أعنيه، سيدي؟

ولكن هذا لا ينطبق على التكنولوجيا وحدها. وكما يشير المؤرخ الروسي ليون آرون، تشبه الثورات العربية الثورة الروسية الديمقراطية التي اندلعت في عام 1991 من حيث نقطة رئيسية واحدة وهي أن كلا منهما لم يكن يطالب بالحرية أو الطعام بقدر ما طالب بـ«الكرامة». لقد اندلعت هذه الثورات نتيجة لرغبة عميقة من الشعوب في إدارة حياتهم الخاصة، وأن يتم التعامل معهم على أنهم «مواطنون»، مع كل الالتزامات والحقوق التي لا يمكن للدولة أن تعطيها والحصول عليها وقف الأهواء.

ويقول آرون: إذا كنت تريد أن تعرف ما الذي يؤدي إلى اندلاع الثورات، عليك أن تعرف أنه ليس ارتفاع أو انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه «السعي وراء الكرامة». إننا دائما ما نبالغ في مطالب الشعوب التي تتعلق بالناتج المحلي الإجمالي، في حين نقلل من مطالبهم لتحقيق المثل العليا. ويكفي أن تعرف أن شعار الثورة التونسية كان «الكرامة قبل الخبز». وأضاف آرون: «دائما ما يكون السعي وراء الكرامة هو الشرارة التي تشعل الفتيل، أما تكنولوجيا اليوم فتجعل من الصعب إخماد النار».

سيدي، نحن بحاجة إلى أن نضع هذا في الاعتبار في الصين، وينبغي أن نشعر بالفخر بتحسين مستوى المعيشة لشعبنا. في الواقع، يحظى هذا بالتقدير من جانب الكثير، ولكنه ليس الشيء الوحيد في حياتهم، وعند نقطة معينة لن يكون هذا هو أهم شيء. هل تفهم ما أعنيه سيدي؟

* خدمة «نيويورك تايمز»