السعودية وتركيا.. «الجو ربيع»

TT

قوتان إقليميتان برزتا وسط التطورات الدرامية لـ«الربيع العربي» الذي خلق عواصف عاتية في خضم عملية التغيير، هما السعودية وتركيا اللتان تلعبان دورين مهمين حاليا من خلال النصيحة وتقديم المبادرات تفاديا لحالة فوضى شاملة، أو تحطم السفينة الإقليمية. ولا نعرف درجة التنسيق بينهما، وإن كان ذلك ضروريا.

السعودية التي استقبلت الرئيس اليمني المصاب الذي ماطل في الأسابيع الماضية في قبول مبادرة خليجية كانت ستوفر له خروجا آمنا وعملية انتقالية أكثر سلاسة في اليمن، أصبحت منخرطة بشكل قوي ومباشر في هذا الملف. وعلى الطرف الآخر تنخرط تركيا أكثر فأكثر كل يوم في ملف سوريا التي يبدو أنها وصلت إلى نقطة اللاعودة في حركة الاحتجاجات التي تقمع بشكل دموي، بينما يبدو النظام متأخرا بخطوات عديدة عن الاستجابة لمطالب الناس التي يرتفع سقفها كلما سقط قتيل جديد.

صحيح أن الدولتين تتأثران وتتفاعلان مع بقية الإقليم، لكن يبقى الجار القريب هو الأكثر تأثيرا، لأنه لو كانت هناك معركة في منزله فلا بد أن يصيبك خلالها بعض شظاياها.

لذلك كان طبيعيا أن ينقل الرئيس اليمني وأركان حكمه المصابون إلى السعودية، وأن يصبح ذلك جزءا من حل المشكلة والمشاركة في أفكار تسهيل انتقال اليمن إلى عملية الاستقرار هناك، وهو دور يستحيل تفاديه رغم أي ثمن يدفع فيه، وهو ليس مسألة أخلاقية فقط لكنه مسألة ترتبط بالمصالح والأمن الوطني والإقليمي، فالفوضى في اليمن لو سمح لها بأن تحدث ستكون انعكاساتها كارثية على المنطقة.

هذا لا يعني أن هناك حلولا أو نفوذا سحريا، فمفتاح الحل في اليمن نفسه، ودور الأطراف الخارجية، بما في ذلك السعودية الجار الأكبر، هو التسهيل والمساعدة. وقد ثبت خلال شهور الأزمة واعتصام المتظاهرين في صنعاء وما رافقه من انشقاقات بين العسكريين وقتال الشوارع، وأخيرا معركة القبائل مع الرئيس، أنه مهما فعل الطرف الخارجي أيا يكن نفوذه، فإن عناد الطرف الداخلي يمكن أن يفشل أي جهود أو وساطات، مثلما حدث مع المبادرة الخليجية التي كانت على شفا التوقيع عدة مرات ثم تراجع عنها الرئيس.

نفس الوضع تقريبا ينطبق على تركيا، الجار الأكبر لسوريا، مع اختلاف التفاصيل، فأنقرة التي كانت سوريا مفتاح استراتيجيتها في عهد أردوغان للعودة إلى المنطقة العربية سياسيا واقتصاديا وثقافيا، واستثمرت كثيرا في العلاقة مع النظام هناك طوال سنوات، وكانت الوسيط بينه وبين إسرائيل، فوجئت بالانتفاضة الغاضبة من النظام والتي شجعها ما حدث في تونس ومصر، واكتشفت أن ما يحدث يمكن أن يؤثر سلبا على أمنها هي.

وتطور الموقف التركي مع تطور الأحداث هناك من النصيحة إلى النظام السوري بتسريع الإصلاح، واعتبار أن الوضع هناك مختلف عما حدث في بلدان عربية أخرى، إلى التصريحات المنتقدة والغاضبة من أردوغان ووزير خارجيته عن السبب في عدم سماع القيادة السورية النصيحة، وعدم توقف قتل المتظاهرين، إلى استضافة المؤتمر الأول للمعارضة السورية التي تريد إسقاط حليفهم السابق.

مخاوف تركيا مفهومة من جارتها، فهناك الحدود الطويلة واحتمالات النزوح الجماعي التي ظهرت بعض بوادرها، وكذلك ملف قضية الأكراد الأكثر حساسية بالنسبة إليها، والذي كاد أن يؤدي إلى حرب بين البلدين في وقت سابق، ثم هناك الخطر الأكبر، وهو هروب النظام إلى الأمام بافتعال معركة أو حتى حرب مع إسرائيل.

ومثل السعودية في حالة اليمن، فإن أنقرة لا تستطيع أن تذهب أكثر من تقديم النصح والأفكار والمبادرات خلال فترة الاحتجاجات، لكن في حالة حدوث فترة انتقالية سيتعين أن يكون الدور أنشط في المساعدة سياسيا واقتصاديا، وتسهيل الانتقال الآمن إلى الاستقرار.

وقد يطرح السؤال: وماذا عن ليبيا؟ والإجابة واضحة، فلا توجد قوى إقليمية مجاورة تستطيع أن تفعل شيئا في ثورة حولها النظام إلى حرب، وهي حالة لا يستطيع التدخل فيها سوى القوى الكبرى.