الورطة السورية والعلاقات التركية الإيرانية

TT

أنقرة، التي فشلت في إقناع القيادة السورية بالإسراع في إطلاق حملات الإصلاح والحوار والإصغاء إلى صوت الشارع، كانت ملزمة بخطوة ضاغطة تمثلت بتوفير الغطاء لانعقاد أوسع مؤتمر للمعارضة السورية واحتضانه في مدينة أنطاليا التي اختلط اسمها على البعض فهاجموا الموقف التركي الاستفزازي بتنظيم لقاء في أنطاكية قلب لواء الإسكندرون الذي التحق بالدولة التركية في أواخر الثلاثينات.

أكثر من 300 شخصية سورية التقت في أكثر المدن السياحية التركية حركة في هذا الموسم لتضع خططا وبرامج تحركها باتجاه التغيير في سوريا، فحسموا موقفهم بمطلب رحيل الرئيس الأسد، رغم أن أنقرة رددت أنها ما زالت تراهن على قدرة الرئيس السوري على إخراج بلاده من ورطتها هذه. قيادات المعارضة السورية التي شاركت في اللقاء قالت إن تركيا فتحت الأبواب فقط أمام المؤتمرين لكن القناعة الحاصلة لدى الكثيرين هي أن حكومة رجب طيب أردوغان باتت لاعبا وشريكا أساسيا فيما يجري. فرغم أن قيادات العدالة والتنمية قالت إن ما فعلته هو خطوة باتجاه الحلحلة في سوريا وأن دمشق لم تسمع من الطيب أردوغان سوى الكلام الطيب حتى الآن، فإن المؤكد هو أن الأزمة السورية وتصاعدها الدائم يفرض على أنقرة إعادة خلط أوراقها إقليميا ودوليا لحماية مصالحها بأكثر من اتجاه.

التحرك التركي الجديد هذا مهما قال داود أوغلو أنه يهدف أساسا لحماية المصالح السورية وأن تركيا لن تتدخل في شؤون جارها وأن أبوابها مشرعة أمام جميع الفرقاء في سوريا، فإن المواقف والممارسات العملية على الأرض تقول غير ذلك. نظرة خاطفة على الشعارات والبيان الختامي لمؤتمر أنطاليا وقراراته توجز لنا حجم التساهل التركي في هذا المجال.

مطلب لقاء أنطاليا في تشكيل المجالس الاستشارية للثورة لتقود أعمالها وتنظم تحركاتها بمشاركة الكثير من القوى السياسية والحزبية والفكرية الفاعلة خارج سوريا تحديدا هدية قدمتها أنقرة لقيادة الرئيس الأسد لن تمر دون تحية أحسن منها.

زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الأخيرة إلى بغداد ولقاء تنسيق المواقف مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد تتحول في أية لحظة إلى استراتيجية ثنائية للرد على «التمادي» التركي وتصبح تحالفا ثلاثيا يضم إيران في محاولة لإجبار تركيا على مراجعة مواقفها وحساباتها في مسائل التغيير والحريات وتحذيرها من تعريض مصالحها للخطر مع هذه البلدان. موقف العراق الأخير والمفاجئ في الربط بين التعهدات المائية الواجب على تركيا تقديمها من مياه دجلة والفرات وبين مصير معاهدة التعاون الاستراتيجي مع تركيا رسالة لا يمكن فصلها عن مسائل إعادة تركيب المكعبات في العلاقات بين هذه الدول.

ما إن أعلنت قرارات مؤتمر أنطاليا حتى تحرك المئات من أنصار حزب الله وحركة أمل في تظاهرة دعم للرئيس الأسد في منطقة حي السلم بالضاحية الجنوبية لبيروت تحت يافطة «مؤتمر أنطاليا وكل الخونة إلى مزبلة التاريخ». مؤشر آخر على أن العلاقات بين طهران وأنقرة من جهة وبغداد وأنقرة من جهة أخرى ستكون تحت رحمة مسار العلاقات بين تركيا وسوريا في المرحلة المقبلة. اختلاف المواقف حيال ورطة الحليف المشترك ستقود عاجلا أم آجلا إلى تباعد تركي إيراني إذا لم تسرع القيادة السورية إلى حسم موقفها. كدنا أن نقول إن قمة تركية–سورية عاجلة باتت مطلوبة بأسرع ما يكون، لكن يبدو أن دمشق حسمت قرارها باتجاه إعطاء الأولوية للعب الورقة الإيرانية مع مسعى جدي لإشراك الجار العراقي فيها.