اليمن الافتراضي.. سعيدا

TT

لم يُحسم مصير الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وما إذا كان سيعود إلى صنعاء مرة أخرى أم ستحول تسوية ما دون ذلك.

في أي حال، تصرف شباب الثورة اليمنية على قاعدة أنهم حققوا هدفهم فاحتفلوا جزئيا في الشوارع وبشكل أكثر صخبا وصراحة عبر ساحات الفضاء الإلكتروني، فتبارزوا في ابتكار صفحات خاصة ومجموعات تؤرخ للحظة التاريخية وتوثق مسيرة الحراك الشبابي اليمني وتحتفل برحيل صالح.

النشاط الإلكتروني الشبابي لم يقتصر على الاحتفال، بل امتد لمناقشة كيف يمكن تشكيل لجان حماية للحيلولة دون محاولات تخريب قد يقوم بها موالون لصالح، وما الخطوات التي ستعقب رحيله.

بمعزل عمَّا إذا كان حراك شباب اليمن قد وصل إلى خواتيمه السعيدة حقا أم لا، فإن النشاط والحيوية اللذين شاهدناهما في الأسابيع الماضية من هؤلاء الشباب ومن قدرتهم على توصيل صوتهم ومطالبهم يستحقان الإعجاب والتأمل.

لقد زاوج شبان اليمن وشاباته بين حراكهم الفعلي في ساحات الاعتصام ونشاطهم الإلكتروني، وكأنما قد وجدوا صوتهم الفعلي عبر «النت»، كما بات الجميع يسميها، فشرعوا يسابقون الواقع البطيء والأكثر تعقيدا من خلال عالمهم الخاص الذي أنشأوه عبر الكثير من مواقع التواصل والمجموعات.

سبق لشباب تونس ومصر أن اختبروا ذلك وما زالوا، واليوم يريد شباب اليمن أن يثبتوا إنجازهم ويجعلوه حقيقة.

مرة جديدة، نتيقن، بشكل يومي، من تلك المجتمعات الموازية التي كشف عنها ربيع العرب، لكننا في اليمن لسنا في سياق مشابه لتونس أو مصر.. اليمن هو واحد من البلاد الأكثر فقرا في العالم، ونسبة الأمية فيه تقترب من 52%، وأعداد مستخدمي الإنترنت، وإن كانت غير دقيقة، لكنها أعداد محدودة.

مع ذلك فإن في الحراك اليمني ما يحمل على الأمل؛ فالشباب لم يقتصر نشاطهم على شبكة الإنترنت، بل استخدموا، بشكل فاعل، الهواتف الجوالة. وإن كان الإعلام في اليمن محصورا بالصوت الرسمي، فقد تمكن شباب الثورة من تحديث مواقعهم الإلكترونية بشكل يومي، وهم حرروا ونشروا صحفا في قلب ساحات الاعتصام، وظهر أن للشابات اليمنيات موقعا ودورا مهيمنا في الحراك الاحتجاجي. في اليمن؛ حيث يستطيع النظام أن يستخدم فزاعة «القاعدة» للتخويف منها، لجأ شباب الثورة لاستخدام فرق الراب والموسيقى الشعبية في التعبير عن أنفسهم.

إنها مجتمعاتنا الجديدة التي استطاعت عبر ما بات يسمى القارة الثامنة (أي: الإنترنت) أن يخترقوا المشهد العام ويخلقوا فضاء عاما يشكل ثقلا مقابلا لقوة الأنظمة والحكومات وسلطتها.

هذا الفضاء العام يواجه تحديين: بطش الحكومات من جهة، وقدرة الشباب الجديد من جهة ثانية على حسن استعماله لتوصيل صوتهم الحقيقي.

صحيح أن المجتمعات الجديدة لم ترقَ بعد لأن تكون مجتمعات حقيقية، وصحيح أن الواقع ما زال أقوى في بلد مثل اليمن من الفضاء الافتراضي، لكن قوة الثاني تكمن في جاذبيته وفيما يمثله من مستقبل في مقابل ماضٍ مغرق في رجعيته.

لكن المستقبل سينتصر على الماضي، هذا ما يعلمنا إياه الربيع العربي.

diana@ asharqalawsat.com