الاغتصاب في أعين المرأة والرجل

TT

ربما ستصبح تهمة الاغتصاب الموجهة ضد دومينيك ستروس - كان أشهر قضية من نوعها. وما من موضوع يختلف فيه الرجل والمرأة كالموقف من هذه الظاهرة. رأيت الكثير من النساء لا يتقززن من شيء كالاغتصاب الجنسي. في حين نجد الرجال يتساهلون فيه ويستخفون به أحيانا، ولا سيما عندما تكون الضحية خادمة في البيت أو الفندق. يصدق ذلك بصورة خاصة عند الشعوب اللاتينية. ففي إيطاليا كثيرا ما تستغرق الشرطة في الضحك والاستئناس عندما يستمعون لشكوى امرأة وهي تصف لهم كيف جرى اغتصابها. ولهذا فقلما تعبأ امرأة عندهم بتسجيل مثل هذه الدعوى وقلما يصدر القاضي حكما لصالحها. وهكذا نصح أحد الصحافيين الأميركان المرأة بأن لا تعرض نفسها للأذى بالمقاومة أو تضيع وقتها مع الشرطة. قال: الأفضل أن تستسلم وتستمتع.

يحمّل الكثير من الرجال المرأة المسؤولية في إغرائها للرجل. وقد أثار أحد الوزراء الإنجليز قبل سنوات احتجاجا كبيرا من الجبهة الأنثوية بقوله إن المرأة التي تستعرض عريها وفتنة أعضائها عليها ألا تشتكى إذا تحرش الرجال بها. وهذا رأي شائع. حتى الكاتب الماركسي برتولد بريخت عبر عنه في مسرحيته «دائرة الطباشير القوقازية» في مشهد محاكمة خادم اغتصب سيدته. رمى القاضي بسكينة على الأرض وقال لها اذهبي والتقطيها واتني بها. مشت تتهادى وتتمايل بجسمها ثم ركعت لالتقاطها وأظهرت حجم قفاها الممتلئ. فقال: «نعم ثبتت جريمة الاغتصاب. يا امرأة، لقد اغتصبت هذا الشاب المسكين بما عندك من إغراء».

هناك فارق كبير في هذا الموضوع بين الشعوب اللاتينية والشعوب الأنجلوسكسونية. فرغم موجة الإباحية السائدة في إنجلترا وأميركا، فالقوم هنا يستاءون جدا من عملية الاغتصاب ويعتبرونها خرقا فاضحا لحقوق الإنسان. وهناك النفاق (hypocrisy) الأنجلوسكسوني. كل شيء حلال طالما جرى في الخفاء. وهم يضيفون للوصايا العشر الوصية الحادية عشرة: «لا تكشف نفسك!»، والاغتصاب أسوأ طريق لفضح نفسك. وهو ما وقع فيه رئيس صندوق النقد الدولي، الفرنسي الجنسية، الذي انحدر من الشعوب اللاتينية التي تعتز بالجنس وتعتبره جزءا من الماتشو (الرجولة) فتتباهى به. فلوحظ مثلا أنه فيما أثارت فضيحة كلينتون ومونيكا استياء الرأي العام في الولايات المتحدة، كان الفرنسيون معجبين بمجرى تفاصيلها ويسجلون لكلينتون هذا الفوز الرجولي.

وفيما اعتاد ساسة الأنجلوسكسون على خوض الحملات الانتخابية وبجانبهم زوجاتهم، دأب الزعماء في أميركا الجنوبية على خوض هذه الانتخابات وبجانبهم عشيقاتهم الشقراوات بأفضح ما لديهن من ثياب. إنها الدليل الحي على ماتشو ذلك الزعيم الذي تصاحبه. وفي تلك البلدان الرجولة هي أول ما يجب أن تتحلى به، وإلا فكيف تصبح ديكتاتورا عليهم؟

لمفهوم الرجولة مكانته في دنيا السياسة. ففي المعركة الانتخابية بين غلادستون ودزرائيلي، أسرع أنصار دزرائيلي ليخبروه بأنهم اكتشفوا فضيحة أن غلادستون عاشر امرأة وحملت له طفلا. قال لهم الزعيم اليهودي، اسكتوا ولا تروجوا ذلك بين الناس. فإذا سمع الناخبون بأن غلادستون استطاع أن ينجب وهو في الثمانينات فسيعطونه كل أصواتهم.