مقترح للفلسطينيين للرد على تصريحات نتنياهو

TT

أعلن باراك أوباما في 19 مايو (أيار) الماضي عن ضرورة عودة مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل على أساس قيام دولة فلسطينية على حدود 1967. وبعد خمسة أيام من تصريح الرئيس الأميركي–وبينما كان أوباما خارج البلاد–تحدث نتنياهو أمام مجلسي النواب والشيوخ بالكونغرس الأميركي رافضا قبول حدود 67 لقيام الدولة الفلسطينية. ورغم تعارض موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي مع ما قاله رئيس الولايات المتحدة، فقد استقبله الكونغرس بحفاوة كبيرة، وصفق له أعضاؤه 26 مرة. فماذا يفعل الفلسطينيون، وماذا يستطيعون فعله لترجيح موقف أوباما وإفشال مشروع نتنياهو؟

إذا نظرنا لما جاء في خطاب نتنياهو نجد أنه رفض حدود 67 للدولة الفلسطينية، بحجة أنها لن تحقق الأمن لبلاده حيث ستصبح الأراضي الإسرائيلية على بعد بضعة كيلومترات من صواريخ حماس. كما صمم نتنياهو على أن تكون القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل التي تحمي حق العبادة لكل الأديان. وقال إن المستوطنات الموجودة في الضفة الغربية يمكن التفاوض لإيجاد حل لوضعها. كما اشترط أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وأن تتولى قوات إسرائيلية مراقبة حدودها مع الأردن. وبخصوص اللاجئين الفلسطينيين وافق نتنياهو على حقهم في العودة إلى الدولة الفلسطينية، رافضا عودة أي منهم إلى أراضي إسرائيل باعتبارها دولة لليهود، متحديا محمود عباس أن يوحد شعبه ويعلن قبوله بدولة يهودية في فلسطين.

ومحاولة منها للحصول على موقف عربي موحد لمواجهة تصريحات نتنياهو، طلبت السلطة الفلسطينية اجتماع اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام في الدوحة في 28 مايو (أيار) الماضي. وبعد سماع تقرير محمود عباس، وافقت اللجنة–التي تضم مندوبين عن 13 دولة عربية–على خطته للتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وذلك خلال الدورة المقبلة التي ستبدأ في سبتمبر (أيلول) المقبل. وتحدث عباس عن وجود 130 دولة تعترف حاليا بحق السلطة في إقامة دولة فلسطينية، مما يسمح بإصدار قرار الجمعية العامة الذي يتطلب أغلبية ثلثي الأعضاء البالغ عددهم 192. وقال إن حصول الفلسطينيين على اعتراف الجمعية العامة بدولتهم يجعل فلسطين عضوا في الأمم المتحدة، مما يضطر إسرائيل إلى الجلاء عن أراضيها ويضعها في موقف حرج بسبب المستوطنات التي يسكنها نحو 600 ألف إسرائيلي.

ومن المؤكد أن ذهاب عباس للأمم المتحدة سيسبب حرجا كبيرا، ليس لنتنياهو فحسب بل لأوباما كذلك، حيث سيضطره إلى الاعتراض على هذا القرار تحت ضغط من الكونغرس. لكن السؤال المهم هو: هل صحيح أن الفلسطينيين يمكنهم الحصول على دولتهم عن طريق الأمم المتحدة؟ جاء الرد على هذا السؤال قبل يوم واحد من اجتماع اللجنة العربية في الدوحة، فقد أعلن جوزيف دايز–رئيس الجمعية العامة–في مؤتمر صحافي بنيويورك، أن الدولة الفلسطينية لا يمكن أن تصبح عضوا في الجمعية العامة من دون توصية من مجلس الأمن. كما أكد أن هذه التوصية لن تتم إذا ما استخدم الأميركيون–أو غيرهم من الدول دائمة العضوية–حق الفيتو ضد المحاولة الفلسطينية. وهكذا نكون قد عدنا للمربع الأول، وحشدنا جهودنا وراء مشروع نحن نعلم مقدما أنه لن يحقق مطالبنا. وبدلا من هزيمة نتنياهو، سينهزم أوباما ويضطر لاستخدام الفيتو ضد المشروع العربي، خاصة أن انتخابات الرئاسة باتت قريبة.

ليس هناك شك في أن نتنياهو قد وضع محمود عباس في موقف صعب، فالطريق الوحيد أمامه لمواجهة تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي سوف يضعه وجها لوجه أمام الرئيس الأميركي الذي وافق على حدود 67.. فكيف يمكن لعباس الخروج من هذا المأزق؟!

ليس أمام رئيس السلطة الفلسطينية إلا أن يشرب من الكأس المرة، ويسير في الطريق الصعب الذي سار فيه أنور السادات قبل 34 عاما، عندما وضعه مناحم بيغن في المأزق ذاته. فبعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، قام الرئيس السادات بزيارة لمدينة القدس في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1977، وخاطب الكنيست الإسرائيلي عارضا الاعتراف بدولة إسرائيل التي كان العرب يسمونها الدولة المزعومة. وتمكن الرئيس المصري بعد ذلك بعامين من الوصول إلى اتفاق سلام مع بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي، واسترجعت مصر كامل أراضيها المحتلة.

في استطاعة عباس الذهاب إلى القدس والتحدث إلى أعضاء الكنيست، كما في استطاعته الذهاب إلى واشنطن والتحدث إلى الكونغرس الذي تحدث إليه نتنياهو. ولأن القضية الفلسطينية قضية عادلة فلن يكون من الصعب على عباس إقناع شعب إسرائيل أو الشعب الأميركي بمطالبه. وإذا ما تخلينا عن شعارات الاستهلاك المحلي وتكلمنا بصراحة عما يمكن الاتفاق عليه، فإن شعب فلسطين يرفض الاحتلال لكنه لا يعادي اليهود، ولن يكون لديه مبرر لإطلاق الصواريخ بعد الاستقلال. وحتى تضمن إسرائيل أمنها، يمكن للفلسطينيين قبول قوات دولية لمراقبة خط نهر الأردن وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه. كما يجب على عباس التأكيد على حق اليهود، ليس فقط في زيارة مواقعهم المقدسة في القدس الشرقية، بل في ضم منطقة حائط البراق إلى القدس الغربية، فما معنى قيام دولة يهودية إذا لم يكن مكان عبادة اليهود جزءا من أراضيها؟ وباستثناء بعض المستوطنات المتاخمة للحدود الإسرائيلية، تجب إزالة جميع المستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية وتعويض الفلسطينيين عما خسروا من الأراضي. كما أنه من غير المعقول أن نطالب بعودة أربعة ملايين فلسطيني إلى الدولة الإسرائيلية، حيث إن إسرائيل–بحسب ما جاء في قرار التقسيم–دولة لليهود، ويجب الوصول إلى حل عادل لقضية اللاجئين.

لو استطاع محمود عباس التخلي عن الشعارات وكسر حاجز الخوف الوهمي لليهود كما فعل أنور السادات، فسوف يحصل لشعبه على الحرية والاستقلال. فالشعب الإسرائيلي هو الذي يختار حكامه، واللوبي اليهودي في الكونغرس الأميركي هو الوحيد القادر على إقالة نتنياهو أو إجباره على قبول التنازلات من أجل السلام.