هل هذا تناقض يا أخ ضياء؟

TT

تحدثت في مقال الثلاثاء الماضي بعنوان «ثورة حلال وثورة حرام» عن تباين موقف مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي من الثورات العربية، بين تأييد ما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن ورفض ما جرى في سوريا بحجة أن أميركا خلف ثورة الشعب السوري، وكأن أميركا لم تؤيد بقوة الإطاحة بمبارك وبن علي والآن القذافي!

هذا الحديث علق عليه القارئ الكريم ضياء المالكي، وقال «ربما أغلب ما تقوله حق.. فالسيد خامنئي لم يتطرق إلى الثورة الشعبية في سوريا، وإن هذه ازدواجية». ثم أضاف مستدركا «لكن جنابك وقع في الفخ نفسه وهو ازدواجية الربط.. فقولك إن البحرين ليست فيها دبابات تقتحم المدن هو كلام عار عن الصحة تماما.. فلماذا هذه الازدواجية يا أخي؟ الكل يسعى وراء مصالحه، فلا تحللوا ثورات وتحرموا أخرى وتنتقدوا الآخرين إذا فعلوا ذلك».

كان هذا هو كل ما قاله السيد ضياء المالكي، معترضا على التناقض الذي يرى أنني «ومن مثلي» وقعنا فيه، وهو أننا نفعل مثلما فعل هؤلاء، نؤيد ثورة ونعارض أخرى، وحدد نموذج البحرين كمثال على هذا التناقض.

ملاحظته مهمة، ويجب التوقف عندها.

ربما فهم الأخ ضياء أنني أقف موقف التأييد أو الاعتراض تجاه هذه «الثورات» من موقع التشجيع الأخلاقي فقط، والحق أنني لم أكن كذلك «فقط»، أو أحاول ألا أكون كذلك. الفكرة المهمة التي أظن أنها غائبة عن مجمل ما كتب وقيل حول الأحداث العربية العاصفة منذ بداية هذه السنة، هي بالضبط أن الكل، أو الأغلبية، تحولوا من قارئين للمشهد بأعصاب هادئة، إلى مصفقين هنا أو هناك، ضد أو مع.

حديثنا عن تناقض موقف المرشد خامنئي من الثورات العربية المساند لها إلا في سوريا، ليس إدانة في المطلق للمرشد، بالعكس، ففي المقال السابق شكرناه على صراحته، فهذا هو منطق السياسة ولغة المصالح. فهو بوصفه «قائد» الجمهورية الإيرانية التي أسسها الخميني بفكر معين، من مصلحة جمهوريته ألا يسقط النظام في سوريا، كما أن من مصلحته ومصلحة جمهوريته أن يسقط النظام في مصر وتونس، وطبيعي أن أي إنسان في العالم، فضلا عن السياسي، وفضلا عن أن يكون هذا السياسي رجلا معمما بعمامة دينية، لن يبوح صراحة بمصالحه بلغة عارية مباشرة.

من هنا، فمصلحة السعودية ودول الخليج هي نقيض مصلحة الجمهورية الإيرانية في مسألة البحرين، لذلك كان من الضروري ألا يمضي المخطط في البحرين بالطريقة التي كانت وما زالت تهواها جمهورية خامنئي. ببساطة هناك تناقض مصالح حاد، بين إيران ودول الخليج بخصوص المسألة البحرينية، وطبيعي أن يكون المسعى لإحباط هذا المخطط، بصرف النظر عن حقيقة وجود مظالم محقة لمواطنين من البحرين.

يا أخ ضياء، الكل يسعى لمصالحه الكبرى، إيران وغيرها.

بقيت مسألة مهمة، هل يعني هذا نفي وجود مظالم ومشكلات لدى المواطن البحريني الشيعي وغير الشيعي، ولنقل الشيعي بالذات؟

نعم كبيرة وحاسمة، وسبق أن قلناها هنا، يجب إرساء العدل وإحقاق الحق، ورفع الظلم وعدم التمييز الطائفي في البحرين، ولا يجوز أن يتم الآن التعامل بطريقة «انتقامية» بعد ما جرى، لأن هذا يعمق الأزمة ولا يحلها، ويعزز من الثقافات الطائفية المتخلفة.

باختصار: السياسة مصالح، لكن المصالح لا تعني نفي الجوهر الإنساني. ويمكن أن أحافظ على مصالحي من دون أن أفقد إنسانيتي.

[email protected]