من صفية إلى حمزة.. فراغ من ضمير!

TT

صفية هي ابنة أسامة بن لادن، ذات الحادية عشرة عمرا، كانت تعيش في منزل أسرتها مع والدها ووالدتها في حياة عائلية مستقرة، تقطن منطقة سكنية جميلة وأنيسة في واد يفصله عن العاصمة الباكستانية 50 كيلومترا. لا شيء من طبيعة هذه الظروف يدل على أن الأسرة كانت تعيش حياة المطاردين، لولا أن القدر فاجأها وعاجلها بفاجعة بأن شهدت مقتل والدها على يد فرقة جنود أميركية اقتحمت منزلهم، مما حدا بالمهتمين بحقوق الإنسان في عالمنا العربي إلى اعتبار ما حصل لصفية انتهاكا صارخا لاعتبارات الطفولة.

ربما يرون من وجهة نظرهم أن الحق ليس على والدها الذي حفّ نفسه بنسائه وأطفاله، وهو الشخصية المطلوبة حيا أو ميتا، إنما الحق على أوباما الذي كان يجب أن يطرق الباب قبل أن يقتحم منزل الإرهابي رقم واحد في العالم.

لا اختلاف أن الطفولة فترة مقدسة من حياة الإنسان، فهي مرحلة برعمية حساسة، إنما هذه الحادثة كانت مناسبة أخرى لتأكيد حالة الازدواج في مبادئ المراقبين والمهتمين من العرب الذين استاءوا من انتهاك أميركا لطفولة صفية في جريمة تتنافى مع معتقدات الدولة التي تدعي أنها حارسة حقوق الإنسان. هؤلاء المحتجون أنفسهم تغشاهم الصمت حيال واقعة لم تكن ظرفية كما حصل لصفية، إنما بسبق إصرار وترصد، حيث اعتقل الطفل السوري حمزة الخطيب في أجواء الاحتجاجات التي تسود شوارع المدن السورية بتهمة تهريب الطعام للمحاصرين في درعا، ولم يعد لأهله إلا جثة مشوهة بفعل التعذيب!

نسيت أن أذكر أن حمزة عمره ثلاثة عشر عاما، أي أكبر بقليل من حافظ بشار الأسد، ابن الرئيس السوري.

حمزة دخل عالم مبتكرات التعذيب التي تشتهر بها أجهزة الأمن السورية، بلا اعتبار لطفولته أو خوفه الذي أراهن أنه كان مسيطرا على قلبه الصغير ومنعكسا على ملامح وجهه.

التزم الكثيرون من المتابعين والمهتمين بحقوق الإنسان الصمت حيال الحادثة في عمل لا يمكن اعتباره إلا فضيحة أخلاقية تشير إلى أن الرؤية لا تكون واضحة لديهم حيال انتهاك حقوق الإنسان إلا إن كانت الولايات المتحدة طرفا فيه، كما حصل لصفية، أو إسرائيل كما حصل للطفل الفلسطيني محمد الدرة.

وما لنا وما تدعيه أميركا من مثل إنسانية، إن لدينا مبادئ تنهى عن قطع شجرة في أرض الخصوم، فكيف إذن تقطع جثة طفل من جراء التعذيب؟!

نحاسب أوباما لأنه لم يلتزم بمبادئ دولته في حفظ حقوق الإنسان ونعمى عن جرائم فظيعة ترتكبها أياد ليست غريبة عنا تتعارض مع معتقداتنا الصريحة الدينية والقومية.

ثم لماذا ارتفعت الأصوات احتجاجا على ما حصل مع الطفل الفلسطيني محمد الدرة، وتحولت هذه الأصوات إلى همس مع حمزة الخطيب؟! بأي معيار كان الدرة أغلى لدينا من الخطيب؟! هل نقيس الجريمة بهوية الفاعل أو بالضرر الواقع على المفعول به؟!

حمزة الخطيب لم يكن خطيئة النظام السوري القمعي وحده، بل كل من تجاهل الحادثة هو شريك في الإثم، صحيح أنه ليس الطفل الوحيد الذي قضى في شوارع المدن السورية التي تتعرض لنار القناصة من رجال الأمن منذ أكثر من شهر، ولكنه حالة إنسانية انكشفت أمام الرأي العام وأصبح من الواجب التفاعل معها.

لا أعرف ما الذي يمكن أن يقال لأم حمزة في هذا الموقف سوى أن أوصيها بألا تسامح، ولا تغفر ولا تكف عن الدعاء على القتلة سكان سراديب التعذيب، وعلى المتلونين الذين خذلوها بالصمت.

ولتنتظر، فإن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب؟!

* جامعة الملك سعود