امنحوهم نوبل

TT

مثل كل عربي آخر، أمضيت الأشهر الماضية، إما أمام الأخبار أو خلفها. في البيت أمام التلفزيون، وفي السيارة على الموجة المتوسطة والـ«إف إم» والميغاهيرتز. ساعة تفاؤل، وساعة تشاؤم، و24 ساعة حرق أعصاب وحرق آمال. ومن كثرة ما تكررت رتابة اليمن وبيانات الحلف الأطلسي، خطر لي خاطر لا يخطر في الحالات الطبيعية، وهو الإصغاء إلى الأغاني، بدل نشرات الأخبار ومواجيزها. جميع المحاولات باءت بالفشل. مرة طلعت لي أغنية اسمها «عملية جراحية» كأنما ليس ما يكفي من الدماء. يخاطب المطرب حبيبته (السابقة، على ما يفهم من الشعر الصريح) متوعدا متبغددا مبلغا حضرتها، بأن العملية الجراحية التجميلية التي تكبدت عناءها ومصاريفها، «فياسكو»! لا تغيير ولا تعتير. والمطرب الفاضل من آل إسكندر الكرام، ولذا يستخدم لهجة جدَّه الإسكندر الأكبر في الطريق إلى الهند: أنتِ وكل مستوصفات التجميل، ونقابة الأطباء، ومصلحة الضمان الاجتماعي، وأصحاب الصيدليات، لا شيء. لا أحد. وفي الجزء المقبل من الأغنية أتوقع أن يبهدل ابن سينا والدكتور باستور وجائزة نوبل للطب.

وأنا أقترح أن تعطى نوبل الآداب لشعراء الأغاني العربية الحديثة. وبينها واحدة بعنوان «يا مدير اللي بالمطار». وفيها يسأل الشاعر الملهوف عن مواعيد وصول الطائرات لأن حبيبته آتية، بالسلامة، على إحداها. يترك مطار المغادرة سرا. ولا يخبرنا، لا نوع الطائرة ولا أسماء الركاب، ولا إذا كانت المحبوبة في الدرجة السياحية أو بيزنس. فقط يسأل مدير المطار، مع أن المسألة يمكن أن تنقضي بموظف الاستعلامات. أو بقراءة جدول الرحلات. إلا إذا كانت الغالية آتية على طائرة خاصة.

على محطة أخرى تطلع لي هيفا وهبي وهي لا تزال تغني «بوس الواوا خللي الواوا يسح». ويبدو أن «واوا» السيدة لم يسح (يصح، بمعنى يشفى، والواوا بالفصحى ألم غير محدد الموضع) بعد، على الرغم من كل النداءات وطلبات النجدة. وبين جراح الأمة و«واوا» السيدة هيفا، لا مفر. وضع بائس حقا. واحدة خضعت لعملية جراحية فاشلة في شفتيها، وواحدة هبلاء لدرجة أنها نسيت أن تبلغ بموعد الوصول، ووجع غامض ولذيذ ولا «يسح»، تغني له هيفا من سريرها وتناديه باسم الدلع: «واوا».