فن التعبير عن الحب!

TT

كان لي قريب يغيظني ونحن صغار، فقد كان يتلقى كل يوم خطابا ورديا معطرا من فتيات كثيرات.. والكلام فيه شعر ونثر يشيد بجمال المحبوب ولوعة الحب.. وكان ذلك يدهشني جدا.. فلم أكن أعرف معنى الحب ولا ما هذه العلاقة بين شاب صغير وفتاة. ولا كيف بدأت.. ولا كيف تحولت إلى خطابات ولا لماذا؟ ولا المعنى ولا الحل ولا كيف يصادف الإنسان في حياته حبا وعشقا؟!

ولم نكن تجاوزنا الخامسة عشرة من العمر.

وكنت حريصا على عدم متابعة هذه الخطابات ذهابا وإيابا ولا كيف تطورت ولا كيف يلتقيان.. ومن هي؟

إذن هو مختلف عني وعن كل الشبان الآخرين. وله مزايا وقدرات وجاذبية. وإلا ما تزاحمت عليه الخطابات وصاحبات الخطابات والورود.. وعرفنا فيما بعد أنه هو الذي يكتب الخطابات لنفسه!!

وكان قريبي هذا ساذجا خاليا! وفي كل مرة أتذكره، أتذكر أيضا أديبنا الفصيح البليغ مصطفى صادق الرافعي؛ فهو عالم جليل وفقيه لغوي وإسلامي ممتاز. وقد أوتي قدرة فائقة على الإحساس باللغة العربية والتعمق في معانيها ومبانيها.. ولا أعرف أحدا بهذه الموهبة الفريدة في الأدب الحديث.. وله كلام كثير جدا في صناعة الحب؛ أي في فن التعبير عن الحب. وليس له نظير.. يكفي أن تقرأ «السحاب الأحمر» و«أوراق الورد» و«رسائل الأحزان» لتجد أنه صاحب منجم لغوي.. وقد غلبته هذه الصناعة فتوهم قصصا من الحب.. في مقدمتها قصة حبه للآنسة مي زيادة وحب مي له، قد يكون أحبها ولكن من المؤكد أنها لم تبادله هذا الحب؛ فرسائلها الغرامية قد كتبها إلى نفسه!

وكان الأستاذ العقاد يسخر من غرامياته. ولكن العقاد نفسه مفكر كبير وعاشق مبتدئ.. والرافعي عاشق ساذج لم يجرب الحب، ولكن يعرف الكثير من الصيغ الجمالية عن الحب.. ومن المؤكد أنه عرف الحب ولم يتذوقه أو تذوقه من طرف واحد!

لا يهم! فنحن لا ندين بالكثير للعشاق الناجحين.. إنما ندين بالكثير جدا للعشاق الفاشلين.. والرافعي أحدهم والعقاد أيضا!