على أي جانب من التاريخ أنت؟

TT

ينقل عن الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان تعريف للسياسة، على أنها ثاني أقدم مهنة في التاريخ، ولأن المهنة الأولى معروفة، فقد أضاف ضاحكا، أن المهنة الثانية (السياسة) تحمل كثيرا من صفات المهنة الأولى! يكفي هذا إشارة للأذكياء، لتأكيد ما تحمله السياسة من مكر وحيلة ودهاء وكذب وحتى نفاق وانتهازية وذكاء أيضا، هذا عندهم، فما بالك عندنا.

العرب يستعدون لمرحلة ما بعد القذافي في ليبيا، وهي مرحلة يبدو أن العرب والعالم قد تيقنوا من قدومها، إلا أن المعضلة هي ترددهم في الحسم في أي اتجاه يريدون سوريا، على الرغم مما يشاهدونه من (قتل المدنيين) أمام أنظارهم، وهي عملية تقريبا مشابهة لما يحدث في ليبيا. عندما يبدأ الدم في التفجر من الصعب أن تأخذ الأمور اتجاه التسوية العقلانية. وما يحدث في سوريا له مخاطر قد تصل إلى الجوار، فسوريا التعددية المحتضنة لكل الطيف الاجتماعي والديمقراطية هي سند للحراك المستقبلي. كان للعرب موقف من ليبيا ومن اليمن، تونس لم تمكن أحدا في التفكير، بسبب سرعة التغيير التي اندهش الجميع حيالها، فقط سوريا لا نسمع للعرب رأيا واضحا فيما يحدث فيها رغم أهميتها استراتيجيا.

ما يحدث في سوريا هو - من جديد - محاولة من الناس للانعتاق من سيطرة سياسية لم تعد محققة لما يرغب السوريون في عيشه. ببساطة الحرية وحقوق الناس العادية والكرامة الإنسانية. تفصيل ما يراد من الشعوب العربية كثير، وهي ليست بالضرورة متفقة على التفاصيل في كل بلد. إنما هي مرحلة الانتقال من مشروع وشرعية حكم إلى مشروع وشرعية دولة، أو هكذا هو المأمول. في الغالب ما لدينا حتى الآن هي مشروعات حكم، وليس مشروعات دولة. ومشروع الدولة لم يتبلور وله شروط معروفة لم تتوافر بعد.

ربيع العرب ليس واحدا.. كما أن نتائجه ليست متماثلة، فكل احتمالاته مفتوحة. لا أعتقد أن ما يحدث في الدول التي انتفضت شعوبها أو لدى الدول المتوجسة خيفة من هذا التيار العارم الذي قد يأتي، سوف تكون نتائجه الحتمية هي ديمقراطية وحقوق إنسان ومساواة ومواطنة. بالطبع أيضا ليس هناك رغبة في إحباط الناس. بل إن ما سوف يأتي مفتوح النتائج. وللمقارنة فإن ربيع العرب ليس الربيع الأول في العالم المحيط بنا، هناك دول شرق أوروبا، وأيضا دول جنوب القارة الآسيوية. في المكانين كانت هناك بداية ربيع. بعضه وصل بالفعل إلى ديمقراطية حقيقية وحقوق الإنسان فيه وصلت النقلة المتوقعة عن طريق بناء مشروع دولة حديثة، في الذهن مثلا بلاد كإندونيسيا. ولكن هناك أيضا تجارب فاشلة وتقوقع نحو الديكتاتورية، ومرة أخرى في الذهن بلاد مثل تايلاند التي فشلت تجربتها الشعبية وانتهت إلى شكل ديكتاتوري. العجيب نحن العرب ننسى في خضم ما يحدث تجربة أخرى قريبة منا، وهي الفلسطينية، التي اعتقد البعض أن انتخابات حرة وشفافة سوف تنقل الشعب الفلسطيني إلى وحدة وطنية وتحشد طاقاته من أجل التحرير، بعد الانتخابات انقسم الشعب الفلسطيني كما لم ينقسم من قبل، ولثلاث سنوات تلت حتى الآن ما زالت جروح الديمقراطية الفلسطينية العرجاء يعاني من نتائجها الشعب الفلسطيني.

تونس ومصر في قاع الحراك الذي تم فيهما، وهو انقلاب جزء من النخبة على النخبة الأخرى، الظاهرة واضحة في مصر، فإن فكرة التوريث التي أقلقت جزءا من النخبة المصرية المؤثرة والخطوات التي اتخذت لتأمين التوريث كانت إحدى أهم دعامات إحداث التغيير الذي تم. في اليمن ما زال الأمر معلقا، وبدأت مناطق في اليمن تفقد حتى الأمن الداخلي فيها.

ما تحقق حتى الآن بنجاح من ربيع العرب قليل، ربما كان على رأسه فكرة سقوط التوريث في الجمهوريات، هذا أمر انتهى الآن. وربما أيضا تقليل انتشار الفساد، وهو أمر يحتاج إلى وقت للتيقن منه. على جانب آخر فإن بعض المطالب في الحراك الشعبي العربي قد وصلت إلى مراحل مزايدة، مثلما حصل في البحرين، عندما تخلت النخبة السياسية طوعا أو كرها عن دورها، ووصل الأمر إلى أن الشارع يرفع مطالب استفزازية مثل إسقاط النظام وإقامة الجمهورية الإسلامية!

يتحدث عدد من المتابعين عن دور للقوى الجديدة أو التقليدية في تحقيق التغيير، الشباب والعسكر، إلا أن هناك دورا أهم من كل ذلك. إنه دور الأنظمة في الإطاحة بنفسها. لقد لوحظ في السنوات العشر الماضية أن هناك حراكا سياسيا واجتماعيا لدى شرائح واسعة من المجتمع العربي. هذا الدور لم يكن بتكتم، فقد ظهر علنا في صورة مطالبات أو مسيرات أو حتى تعبيرا عن الرفض في وسائل الاتصال الاجتماعية الحديثة. كل هذا لم يجد أية آذان صاغية لدى متخذي القرار، بل زادوا في التجاهل واعتمدوا الحلول: إما الأمنية أو المالية. وكلاهما مسكنات وقتية لا تقدم حلولا مقنعة. لبناء الدولة الحديثة، من يكون بعيدا عن مطالب التغيير العنيف من الحكومات العربية، هي تلك الدول أو النخب التي تنظر إلى المطالب الشعبية بجدية وتقدم الحلول لها. علينا أن ننظر بعين مفتوحة للتجربة المغربية. هناك لجنة وطنية موسعة، وهناك دستور جديد يكتب، وهناك انتخابات سوف تجري على ضوئها الدستور الجديد. التجربة المغربية وإلى حد ما التجربة الأردنية والحراك فيهما، ينطبق عليهما ما تعارف عليه إنسانيا، أن السياسة هي حرب بلا دماء وحل الصراعات من دون اللجوء إلى العنف، تلك تجربة تقدم لبقية العرب، ممن لم يصلوا إلى مرحلة الانتفاضة، طريقا ثالثا يمكن السير فيه والنجاة من الأسوأين، فوضى عارمة، أو استبداد متوحش. وعلينا في النهاية أن نسأل أنفسنا، ترى على أي جانب من التاريخ نحن؟

آخر الكلام

السيد عمرو موسى أعلن أنه سيخوض الانتخابات المصرية الرئاسية القادمة تحت شعار «وفدي ناصري».. ألم ينتبه هذا الرجل الذكي أن الشعار له علاقة بالماضي، والناس تتحدث عن المستقبل؟