اختبار منحدرات الخروج من أفغانستان

TT

يدور الجدال داخل إدارة أوباما حول سحب عدد كبير من القوات من أفغانستان بحلول العام المقبل على النحو التالي: لقد قضينا على أسامة بن لادن، وبذلك نكون قد حققنا الهدف الرئيسي من وراء إرسال القوات لأفغانستان عام 2001. لدينا سبب وجيه للخروج، ويجب أن نتمسك به. أما وجهة النظر المقابلة داخل الإدارة فترى أن الخروج السريع سيفضي حتما إلى الفشل، ويحمل مخاطرة تكرار الخطأ نفسه الذي وقعت فيه الولايات المتحدة في الثمانينات من القرن الماضي عندما تراجعت بعد أن قامت بضخ المال والأسلحة في أفغانستان للقضاء على الاتحاد السوفياتي، مما نتج عنه فراغ في السلطة قام باستغلاله لوردات الحرب والقوى الإقليمية.

بالنسبة للرئيس أوباما، فهو يتخذ موقفا وسطيا بين وجهتي النظر السابقتين؛ حيث ذكر، الاثنين الماضي: «سنبدأ في فترة انتقالية هذا الصيف، فبقتلنا بن لادن والقضاء على الزخم المحرك لحركة طالبان، نكون قد حققنا كثيرا مما سعينا إلى تحقيقه منذ 10 سنوات مضت». لكنه لم يذكر ما معنى هذا سياسيا. وبالطبع فإن هذا الجدال في جزء منه مجرد لعبة أرقام؛ ذلك أن مؤيدي الانسحاب السريع يريدون جدولا زمنيا لانسحاب جميع القوات «الإضافية» التي يبلغ عددها 30 ألفا، والتي قرر أوباما إرسالها في ديسمبر (كانون الأول) عام 2009. أما بالنسبة لمؤيدي «الالتزام بالنهج الحالي» فإنهم يريدون خفضا بسيطا في أعداد القوات، بحيث تتضاءل بمعدل يتراوح بين 3.000 و5.000 جندي. ويعتقدون أن هذا هو ما تسمح به الظروف الراهنة. وهناك فريق ثالث يطرح حلا توفيقيا يقوم على تخفيض العدد بمقدار 10 آلاف.

إن مشكلة الآراء السابقة تكمن في افتقادها تعليلا استراتيجيا واضحا. هل يعتقد مؤيدو «الالتزام بالنهج الحالي» أن الجيش الأفغاني سيكون قويا بما فيه الكفاية ليقف على قدميه بحلول عام 2014؟ هذا افتراض مشكوك فيه حسبما يعتقد الكثير من المحللين.

هل سيشعر مؤيدو الانسحاب السريع بالراحة عندما تعود أفغانستان إلى النموذج الذي كانت عليه في التسعينات من القرن الماضي مع قوى المنطقة، كالهند وباكستان؛ حيث يستغل كل منهما جماعاته العرقية المفضلة ولوردات الحرب؟ يبدو هذا وكأنه وصفة لخلق حالة دائمة من انعدام الاستقرار في دول جنوب آسيا.

إن الهدف واضح، يجب أن يخضع عدد القوات المنسحبة إلى خطة استراتيجية، وليس العكس. تتشابك المتغيرات الثلاثة التي يناقشها صناع السياسة في الولايات المتحدة، وهي: انسحاب القوات والتصالح مع حركة طالبان وهجمات طائرات من دون طيار في باكستان، فما تأثير تغيير أحد هذه المتغيرات على الآخرين؟

دعنا ننظر في مسألة المصالحة السياسية: إذا أعلن أوباما عن سحب عدد كبير من القوات، هل سيشجع هذا حركة طالبان على تقديم تنازلات؟ بالطبع لا، إلا إذا كانت طالبان مؤسسة خيرية متنكرة. إن المتشكك بشأن المصالحة (مثل نائب الرئيس جوزيف بايدن) من الممكن أن يطالب بالانسحاب بغض النظر عن مدى تأثيره على الصعيد الدبلوماسي، لكن إذا اعتقدت أن التفاوض سيكون ذا جدوى، فأنت تحتاج إلى نفوذ عسكري يعززه. لقد بدأت الإدارة بإجراء محادثات سرية مع وسطاء من حركة طالبان. وإذا كانت هذه العملية جادة، فإنها تحتاج إلى أن تنتقل إلى اختبار عملي لوقف إطلاق النار، من الممكن أن يتم بصورة أولية من جانب واحد؛ حيث يجب أن توضح الولايات المتحدة لحركة طالبان أن هناك سبيلا لتخفيف الألم عن طريق التفاوض، كما يجب أن يوضح ممثلو حركة طالبان أنهم قادرون على التفاوض.

كما يجب أن يتم تطبيق هذا الاختبار البراغماتي على الهجمات الطائرات من دون طيار. وكانت هذه الهجمات سلاحا فعالا ضد تنظيم القاعدة؛ حيث وصلت إلى الملجأ في شمال وزيرستان. لكن إذا تسببت هذه الهجمات في حدوث مشكلات سياسية شديدة في باكستان منعتها من القيام بدور بناء في المصالحة، فهذا يعني أن السياسة تحتاج إلى تعديلات. وقد طرح وجهة النظر تلك كاميرون مونتر، سفير أميركا لدى باكستان، وبعض المسؤولين العسكريين مثل الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة؛ حيث يبدو أنهم يودون أن يفكروا في هذه الهجمات على أساس تقدير حجم الأضرار والمنافع المترتبة عليها.

وقد ناقش البيت الأبيض معضلة هجمات الطائرات من دون طيار، لكنه لا يخطط لأي تغيير في سياسة الولايات المتحدة في الوقت الراهن. لكن الأمل هو أن تحسين التعاون لمجال مكافحة الإرهاب مع باكستان سوف يؤدي إلى استهداف أكثر دقة من جانب الطائرات من دون طيار واستخدام متزايد لتكتيكات بديلة. فالهدف الاستراتيجي هو إقرار إطار إقليمي لأفغانستان بعد انسحاب أميركا، وهذا يعني بالضرورة تنسيق الجهود بين باكستان والهند وأفغانستان والولايات المتحدة للتوصل إلى تسوية سياسية. ويتمثل التحدي القائم أمام أوباما في وضع إطار لإعلان انسحاب قواته وتعزيز هذه العملية الإقليمية لا تقويضها؛ حيث يرغب جميع قادة أفغانستان وباكستان والهند في انسحاب جميع القوات الأميركية، لكن في حالة ما لم يؤدِّ هذا إلى حدوث فراغ جديد يتسبب في إضعافهم. كما قال أوباما في بيان يجسد أسلوب إدارته، الاثنين: «لن نقدم على فعل متهور». ونأمل أن يعني هذا خروجا استراتيجيا يوفر بالفعل خروجا يمكن الاعتماد عليه.

* خدمة «واشنطن بوست»