في سورة ملانخولية

TT

زميلي الباحث العراقي أبو نوفل يمثل الشخصية العراقية بأصدق صورها من التطرف والانتقال السريع من البِشر والأمل إلى الكآبة واليأس، وبالعكس. جاءني مؤخرا وقال: يا أبو نايل، تتذكر الإمبراطورية البريطانية والاستعمار الإنجليزي؟ قلت له: كيف لا أتذكر ذلك وأنا أسبه وألعنه كل يوم على إعطائنا الاستقلال وتركنا في يد شلة من العسكر والحزبيين؟!

قال: حسنا، تتذكر كيف كنا نقول إن رقعة هذه الإمبراطورية البريطانية لا تغيب الشمس عن أراضيها وحكمت خمس العالم من أستراليا ونيوزيلندا شرقا إلى كندا وكاليفورنيا غربا. هل تعلم أن نفوس إنجلترا عندئذ لم تتجاوز السبعة ملايين نسمة وشوية. ومع ذلك، استطاعت أن تسيطر على كل هذه المساحة الشاسعة من العالم. وهذه في الواقع هي عدد نفوس إسرائيل الآن. سبعة ملايين وشوية. ولإسرائيل من القوة الضاربة ما يتجاوز ما كان بيد بريطانيا!

قلت له: وما الذي ترمي إليه في هذه المقارنة؟

- ما أقوله، لماذا لا تحاول إسرائيل أن تقوم بنفس الشيء. تستولي على كل العالم العربي من الخليج شرقا إلى المحيط غربا وتقيم إمبراطورية النبي سليمان الممتدة، ليس من النيل إلى الفرات وإنما من المحيط إلى الخليج، وتحل كل مشاكلنا وتتولى أمورنا وتخلصنا؟

- يا عزيزي أبو نوفل، أنت رجل عالم ولكن «ياما» غابت عن العلماء أشياء. الإنجليز غير بني إسرائيل. يعتقد الأوروبيون أن الإنجليز سيمتهم السذاجة وقلة العقل ويورطون أنفسهم في ما لا طاقة لهم عليه ولا فائدة يجنونها منه ولا ينفعهم بشيء. فتحوا مدارس في الهند فتعلم الهنود وثاروا عليهم وطردوهم. وعلى عكس ذلك، يعتبر الأوروبيون اليهود قوما أذكياء وذوي فطنة وبعد نظر. ورط الإنجليز أنفسهم في حكم البلاد العربية وندموا على ما فعلوا . كيف تتصور أن إسرائيل ستدوخ نفسها بما عجزت عنه إمبراطورية آل عثمان وإمبراطورية الإنجليز والآن إمبراطورية العم سام، أو قل إمبراطورية باراك أوباما؟! لا بل فقل بما عجز العرب أنفسهم عن تحقيقه من إصلاح؟ كلا يا أخي أبو نوفل. لن تورط إسرائيل نفسها في مشاكلنا، «خلي هذا في بالك ولا تتعب روحك».

جرى هذا الحوار على هامش ما توارد من أخبار عن مصادمات جديدة بين المسلمين والمسيحيين في مصر. وكل هذا بعد أيام قليلة مما سمي ثورة الورد وثورة الياسمين التي آذنت بطلوع الربيع العربي. وهنا، عاد زميلي أبو نوفل ليفتح دفتره الملانخولي، فقال:

- تقول الربيع العربي؟! انتظر يا عمي أبو نايل. أسبوع واحد و«تشوف» كيف ننتقل من الربيع العربي إلى الشتاء العربي، من دون المرور حتى بالصيف أو الخريف. رأسا إلى الشتاء. ويا له من شتاء مدلهم سيكون! «الإخوان» في جامعة الأزهر يدرسون الآن إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية الذي يسميه السلفيون «قانون سوزان» (زوجة مبارك)، ويعتبرونه باطلا ومخالفا للشريعة. وسيكون ذلك أول ليلة من الألف ليلة وليلة.