وليمة صينية

TT

أصر أحدهم على أن أرافقه في الذهاب لمطعم صيني تقليدي، حيث كان مدعوا من قبل ملاك شركة صينية هو يتعامل معها تجاريا، وقال لي ونحن بالسيارة في طريقنا إلى الوليمة إنه أصر على أن يكون كل شيء صينيا؛ ابتداء بالأكل، وانتهاء بالخدمة والطقوس المتعارف عليها.

دخلنا إلى المطعم المكتظ الذي كان زبائنه (90%) منهم تقريبا من الصينيين. استقبلنا ثلاثة منهم عند الباب وقادونا إلى طاولة دائرية محجوزة تتسع لعشرة أشخاص.

كانت عصافير بطني (تصوصو)، ولفت نظري أولا أنه لم يكن هناك (لستة) أو (منيو) لأصناف الأكل المفترض أن نختارها حسب الطلب، ولكن أدبا مني استسلمت وقعدت صامتا أنتظر رحمة الله.

وبدأوا لنا (بالشاي) الأخضر، وكان في أكواب من الزجاج الشفاف، وعندما وضعوا الكوب أمامي، إذا به ممتلئ بأوراق الشاي، واحترت كيف أشرب، فقررت أن أستعمل أسناني الأولية كمصفاة تحول دون دخول الأوراق، ولكنني ما إن انتهيت من أول رشفة ورفعت رأسي، حتى وجدت الأوراق قد التصقت (ببراطمي)، وخجلا مني، قررت في الرشفة الثانية أن أبلعها، وهذا ما حصل، ولكنني لم أستسغها، وفوق ذلك، كدت أن أشرق بها فتوقفت، ووجدت بعض مضيفينا يمضغ الأوراق ثم يبلعها، وبعضهم يعلكها ثم يبصقها دون حرج في طبق صغير، وكل ذلك مقبول لديهم.

وأتت (الشوربة)، وانزعجت فعلا من طريقتهم في احتسائها؛ إذ إنهم لا يتورعون عن ارتشافها بأصوات مرتفعة دون أي مراعاة لأي (إتيكيت). والصنف الوحيد الذي كان لنا اختيار فيه، هو عندما سألونا عن ماذا نفضل؛ تناول الدجاج أم البط؟! ولكي لا أقع في أي مخاطرة اخترت الدجاج.

وما هو إلا ربع ساعة حتى أتى طلبي في طبق عليه غطاء ووضعوه أمامي، ورفعوا الغطاء، فإذا بدجاجة كاملة (برأسها ومنقارها) تملأ الطبق، ولأول مرة في حياتي أشاهد دجاجة مطبوخة مع رأسها، وكان صعبا علي أن أتعامل وأتقبل ذلك، واكتشفت أنه لمن طلب البطات كن كذلك برؤوسهن، والعجيب أن هؤلاء الصينيين أول ما بدأوا بالأكل تناولوا الرؤوس وأخذوا يمزمزون بها.. (يفقشون) رأس البطة أو الدجاجة، ويأكلون مخها بلذة عجيبة.

وتتالت علينا الأصناف من (قناديل البحر) اللزجة، ومن خيار البحر، بل من أقدام الإوز التي كانوا يحثوننا على (قرمشتها) لأنها على حد زعمهم ممتلئة (بالكولاجين) الذي يساعد على منع التجاعيد، ويحسن كفاءة الباءة.

وأدهى وأمر من ذلك كله، (بيض البط) المعضِّن الكريه الرائحة، ولون الواحدة منها بني مسود، وبياضها شفاف، وصفارها أزرق كحلي، وعرفت أنها لكي تتحضر في البداية، لا بد أن تغلف في طبق من الوحل والقش، ثم توضع في محلول قلوي لمدة شهر على الأقل، لكي تنضج وتصبح قاسية.

والحمد لله أنهم أحضروا لنا رزا أبيض دون زيت ولا ملح، وهو الذي «سديت» به حنكي ورمقي.

وبعد أن انتهينا ونهضنا وقوفا، صحت بهم قائلا: أنعم الله عليكم، فأخذوا ينحنون أمامي مبتسمين باحترام دون أن يفهموا ما قلت.

[email protected]