منع فنان حتى لا يغضب السفير!

TT

في معرض لرسوم الكاريكاتير أقامه معهد العالم العربي في باريس انتفض السفير العراقي حينها عبد الرزاق الهاشمي. سمع وهو واقف على الدرج يصرخ بأن في المعرض لوحة تهين الرئيس المهيب صدام. كان يعني كاريكاتيرا رسمه الفنان علي فرزات، بدا فيه جنرال ضخم الجثة يصب أوسمة عسكرية في صحن فقير جائع. صرخ الهاشمي بأنه لن ينزل من السلم إلا بعد إنزال اللوحة المعلقة، ورغم أن مدير المعهد والرسام حاولا إقناعه بأنها لوحة فنية وليس للرجل مفتول الشنب علاقة بملامح صدام، فإن السفير أصر على موقفه، وأصر الرسام على لوحته، وتضامن معه بقية الفنانين وموظفو المعهد، وخسر السفير المعركة وسط فضيحة إعلامية صاخبة.

وبعد سنوات تتكرر الحادثة مع مؤسسة وفنان آخر، باستثناء أن المعتدي هنا هو منظمة وظيفتها الدفاع عن الحقوق المدنية، والضحية شاب عربي، مالك جندلي، منعته من حفلها الكبير، والجريمة أنه لحن أغنية كلماتها عن الحرية! فقد اعتقد مسؤولو المنظمة أنه يعني بها سوريا وخشوا إغضاب صديقهم سفير دمشق في واشنطن، مع أن كلمة سوريا لم ترد في القصيدة المغناة. حتى تحولت الحادثة إلى فضيحة، وهاجت وسائل الإعلام تستنكر موقف المنظمة المخزي، فتراجعت وأرسلت له دعوة للمشاركة.

وهذه المنظمة تحديدا أكثر المؤسسات العربية في الخارج التي احتفي بها، فقد أسسها عرب أميركا قبل ثلاثين عاما لمهمة واحدة، هي الدفاع عن صورة عرب أميركا الذين صاروا محلا للسخرية والهجوم الشخصي منذ السبعينات. وحصلت الحركة على تأييد واسع داخل الولايات المتحدة وخارجها، ونجحت في تقديم نفسها كمحامية ضد العنصرية التي طفحت في الإعلام الأميركي. كما دافعت عن العديد ممن طردوا من وظائفهم بدافع العنصرية، أو أسيء لهم كراهية لأنهم من أصول عربية، في انسجام مع القوانين الأميركية التي تحرم التمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين. لكن كما تعلمون ما دخل الساسة شيئا إلا أفسدوه.. فقد سبق أن فاجأتنا هذه المنظمة بانحيازها إلى صف صدام حسين عندما غزا الكويت. وبسبب موقفها المدافع عن همجية ذلك الحدث ووحشية الغزو انسحب كثيرون من دعمها حتى سنوات لاحقة حتى تطهرت من تلك الفعلة المشينة.

وتاريخ العديد من المنظمات العربية الأجنبية، شوهه العبث السياسي، والاستهانة بواجباتها التي تعهدت بخدمتها. السبب أنها تعاني من نفس المرض العربي، وهو تسييس القضايا على حساب مبادئها المعلنة، واستغلال قياداتها للمؤسسات التي يديرونها. ورأينا ذلك في السابق في الغرف التجارية العربية الخارجية، ومكاتب مقاطعة إسرائيل، ومنظمات العرب السياسية عموما.

وهذا ما يبدو أنه حدث مع المؤسسة التي يفترض فيها مناهضة التمييز، فمنعت فنانا لأنه لحن وغنى أغنية لا توافق موقفهم السياسي الشخصي.

يبدو أن الجالسين على ضفة نهر البوتوماك في العاصمة واشنطن لا يدرون ما الذي يحدث في العالم العربي. لقد تجاوزتهم الأحداث، وطفح بالناس الكيل من مثل هذه المواقف، يريدون شفافية ومحاسبة إعلامية ولم يعد ممكنا ولا مقبولا أن يتصرف مدير في منظمته كما لو أنها حظيرة في مزرعته!

[email protected]