الثوابت الوطنية في ظل الحوار البحريني

TT

الحوار هو لغة العقلاء ومنطق الحكماء ومنهج القادة العظماء منذ فجر التاريخ، وحيث إن أي حوار لا يبدأ من فراغ، إنما يجب أن تكون هناك قواسم مشتركة بين أطراف الحوار، وخاصة إذا كانت هذه الأطراف يجمعها وطن واحد ومصير مشترك، وعندما نطبق هذا المبدأ على البحرين، فيجب أن لا يكون هذا الحوار منفصلا عن الأزمة التي حدثت في البحرين؛ حيث دعت البحرين إلى الحوار من دون شروط مسبقة، وذلك عندما ظهر ولي العهد، الأمير سلمان بن حمد، على شاشة تلفزيون البحرين في يوم 18 فبراير (شباط)، وأعلن عن فتح أبواب الحوار لجميع مكونات المجتمع، ولكن، للأسف، لم يتم التجاوب معه من قبل من تسمي نفسها بالمعارضة، وهي التي قادت الأحداث في البحرين.

والحقيقة الأهم التي يجب أن تُعرف هي عندما يطلق جلالة الملك حمد بن عيسى دعوة للحوار الوطني في البحرين، يجب أن لا تُفسر هذه الدعوة على أن البحرين تفتقد الحريات وتصادر الآراء، إنما جاءت هذه الدعوة لكي تؤكد على النهج الذي اختطه جلالة الملك منذ مجيئه للحكم، والذي بدأه بمشروعه الإصلاحي، الذي يهدف منه لإيجاد المجتمع المدني، الذي هو بدوره له جذوره في البحرين، ومن جانب آخر يجب أن تعي بعض الأطراف التي قد تشترك في الحوار، والتي لها أجندة تملى عليها من أطراف خارجية لم تعد تخفى على أحد، والتي تسمي نفسها بالمعارضة، أن للحوار قواعد يجب أن يلتزم بها الجميع؛ أولها أن الحوار ليس على الأهداف العليا للوطن، وإنما على الوسائل لبلوغ هذه الأهداف العليا، التي لا مساس بها؛ أهمها أن ليس هناك من شعب البحرين من يساوم على عروبة البحرين وشرعية النظام السياسي القائم في البحرين، الذي ارتضى به الشعب وعبّر عن ولائه له، والذي ظهر جليا وواضحا في الأحداث الأخيرة التي مرت بها البحرين، والذي تبلور في تجمع الوحدة الوطنية، الذي بدوره كان الرقم الأصعب الذي لم تستطع الأطراف التي دبرت المؤامرة على البحرين اجتيازه أو تجاهله، وهو الذي أفشل مخططها، وهي تعلم تماما أن أي إقصاء لهذا الطرف في الحوار بأي شكل من الأشكال يعني فشلا للحوار قبل أن يبدأ.

الحقيقة الثانية التي يجب أن تعيها من تسمي نفسها بالمعارضة أن البحرين لها انتماؤها العربي الإسلامي، وأنها تحكمها اتفاقيات ومعاهدات مع شقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي، الذي هو العمق الاستراتيجي للبحرين، وأن مصلحة البحرين هي من مصالح هذه الدول الخليجية، التي تشكل كيانا سياسيا واحدا، وأن المملكة العربية السعودية بمثابة الأم لهذا الكيان، وأن رباطنا، وخاصة نحن في البحرين، مع المملكة العربية السعودية قيادة وشعبا، هو رباط مقدس لا مساس به، وعهد راسخ لا يمكن التحول عنه.

الحقيقة الثالثة التي يجب أن تعيها الأطراف التي تشترك في الحوار هي أن البحرين تعرضت وما زالت إلى مخطط إيران التوسعي، الذي هو من أحلام حكام الملالي في إيران، والذي مد نفوذه من سوريا إلى لبنان والعراق، وهو يريد الآن أن يلتف على دول الخليج العربي لكي يكتمل المثلث الإيراني ليصبح بدرا، وهذه حقيقة لم تعد تخفى على أحد منذ إيران (الشاه) وإيران (الخميني) وإيران (الخامنئي)؛ حيث كانت وما زالت تطمع في احتلال البحرين «وإرجاع الفرع إلى الأصل»؛ إذ قال (حسين شريعة مداري) مندوب مرشد الثورة الإيرانية في مؤسسة «كيهان» الصحافية، لصحيفة «القبس» الكويتية: «هناك حساب منفصل للبحرين بين دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي، لأن البحرين جزء من الأراضي الإيرانية، وقد انفصلت عن إيران إثر تسوية غير قانونية بين الشاه المعدوم وحكومة الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وإن المطلب الأساسي للشعب البحريني حاليا هو إعادة هذه المحافظة، التي تم فصلها عن إيران، إلى الوطن الأم والأصلي - أي إيران الإسلامية، ومن بديهيات الأمور أنه لا يجب ولا يمكن التخلي عن هذا الحق المطلق لإيران والناس في هذه المحافظة التي تم فصلها».

إن الحوار الوطني ليس بالشيء الغريب على البحرين، بحكم أن شعب البحرين لديه من الوعي السياسي ما يمكّنه من خوض غمار هذا الحوار والوصول بالبحرين إلى بر الأمان، والدليل على ذلك هو التفاعل الشعبي مع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والتصويت على الميثاق. لا تخافوا على شعب البحرين الذي يملك شعبة عقول متفتحة تفهم قواعد اللعبة، وسوف يكشف هذا الحوار الوطني جانبا مهما من الأحداث الأخيرة في البحرين، ويرفع الستار عن حقائق مهمة كانت مغيبة عن الدول والمنظمات الدولية التي تبنت موقفا سلبيا؛ فامتزج بكثير من المغالطات، التي نجحت في تمريرها بعض وسائل الإعلام الخارجية المحسوبة على جهات أجنبية لها مصالح خاصة في تأجيج الموقف السياسي في البحرين، مستغلة التغيرات الإقليمية التي حدثت في الوطن العربي. حفظ الله البحرين ملكا وحكومة وشعبا من كل مكروه.

* باحث أكاديمي بحريني