ليس بجدار «واطي»

TT

لا يزال الملف الاقتصادي والاستثمارات الخليجية (السعودية والإماراتية تحديدا) في مصر، مصدر خوف وقلق كبيرين، لأنه حتى هذه اللحظة لم يلق المعالجة المتكاملة، وسقط ضحية الخلافات الكبرى والهجمة العنيفة على كل ما له من علاقة بعالم الأعمال وتم في عهد حسني مبارك. لكن الملف حيوي جدا، ويلمس وترا مهما جدا في معيار تكافؤ العلاقات بين الدول، خصوصا في الجوانب الاقتصادية، وهو معيار الثقة.

تتعرض مجموعة غير بسيطة من الاستثمارات السعودية والإماراتية لاستهداف واضح، ومن خلال هذا الاستهداف تنطلق تلميحات خطيرة بالتخوين وسوء الاستغلال وغيرهما من التهم غير المقبولة، لتحول عددا غير بسيط منها إلى «قرابين» جاهزة للوضع الجديد. وها هي أسماء تجارية مهمة وناجحة تتعرض لأشنع الحملات بلا أدلة أو شهود.. حملات انطباعية وانفعالية موجهة إلى دولتين عرفتا بالهدوء وعدم حب المواجهة ولا المعارك الصحافية في الدفاع عن نفسيهما (على عكس دول أخرى لديها استثمارات مهولة في مصر مثل ليبيا ولبنان على سبيل المثال ولم تتعرض للمس أو الهجوم!).

فها هي شركات سعودية مثل «البراهيم» و«القنبيط» وغيرهما، وإماراتية مثل «داماك» و«الفطيم» تتحمل تبعات «تسونامي» الاعتراض والتشكيك في قرارات ونوايا العهد السابق، علما بأن كل هذه الشركات أبرمت هذه الاتفاقيات التي أقدمت عليها من باب الاستثمار في مصر، مع حكومة مصرية سيادية وليس مع أطراف ثالثة بعيدة.

وقد أقدمت الحكومة المصرية الجديدة على خطوات تنفيذية وعملية مهمة، تمثلت في إعلانها احترامها لكل العقود والمواثيق والمعاهدات المبرمة من قبل، وكان المعني هنا هو معاهدة السلام المعروفة باتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل. وبعدها التزمت الحكومة بتنفيذ اتفاق إمداد الغاز مع إسرائيل، وهو الاتفاق الذي أثير حوله جدل ولغط كبيران في الصحافة المصرية، واتهم رجل الأعمال المصري حسين سالم بالانتفاع منه وخيانة الوطن بسببه.

ويبدو اليوم أن ما يطالب به رجال الأعمال السعوديون والإماراتيون هو مساواتهم بالإسرائيليين، في أن يتم الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع الحكومة المصرية السابقة! هل يعقل أن تصل الأمور إلى هذا الوضع؟ قضايا استثمارية بحتة مثل توشكى وأرض الوليد بن طلال فيها، وعمر أفندي، ومشروع «الفطيم» الاستثماري، تحولت إلى «مواجهات» ومعارك كبرى بين الحق والباطل، والخير والشر، في مشاهد سوريالية وغير واقعية أبدا، «تدعمها» تحقيقات صحافية بأرقام غير واقعية، ووقائع بلا أدلة ولا شهود، لتولد صورة «شريرة» للمستثمر الخليجي (وهي الذهنية نفسها التي كانت تدعمها مشاهد السينما ومقالات الصحف).

ومع الأسف الفكر الناصري المدمر الذي أمم زورا وبهتانا أرزاق الشرفاء المصريين وكبار رجال الأعمال العباقرة منهم في حقبة الخمسينات والستينات الميلادية السابقة، وصُدّر لدول مثل سوريا والعراق والجزائر والسودان واليمن وليبيا لتمارس العبث نفسه بحقوق وأرزاق الناس، مع شديد الأسف لا تزال هناك «فلول» من أتباع هذا الفكر موجودة اليوم، تمارس الفكر نفسه بأشكال جديدة ومختلفة. لكن الرهان لا يزال موجودا وممكنا على العقلاء في مصر ليتعاملوا مع ملف الاستثمار الخليجي (الإماراتي والسعودي منه تحديدا) بعقل وحكمة وحسن ظن.

الشروط التي رست على المستثمر الخليجي ونفذ الاستثمار بناء عليها كانت شروطا سيادية ولا بد من احترامها. هذه هي النظم والأعراف والقوانين التي تتبع في كل الثورات والانقلابات والتغييرات السياسية حول العالم، وهو ما يطالب به اليوم السعوديون والإماراتيون وسائر الخليجيين، وهو مطلب طبيعي وملح ومهم لبناء جسور الثقة المستحقة حتى لا تفسدها تصرفات وقرارات البعض الشخصية وتطغى على مشهد جميل تم بناؤه معا عبر سنوات من العمل المشترك وحسن الظن وأمانة القول، وهذا ما يجب أن يعود. السعودية والإمارات يجب ألا يفسر صمتهما على ما يحدث من سوء اتهام لاستثمارات مواطنيهما في مصر على أنه ضعف، أو أن جدارهما «واطي»، لكن هو أمل كبير في أن يكون للعقل والحكمة وحسن الظن مكان في وزن الأمور وتقديرها في العلاقات بين البلدين ومصر.. وهذا هو «الصح» والمطلوب.

[email protected]