ماذا عن مستقبل مصر؟

TT

لأن مصر بلد هام ومؤثر، ولأن ما يحدث فيه تتأثر به دول الجوار؛ عاجلا أو أجلا، فلا بد، والأمر كذلك، أن يحاول الجميع سبر غور مستقبل مصر بعد أحداث يناير (كانون الثاني) الماضي، من أجل معرفة المؤشرات العامة التي يفكر فيها الجمهور المصري. هذا ما فعلته المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للولايات المتحدة، التي مولت الدراسة التي نستعرض؛ حيث تمت، تحت إشراف المعهد الجمهوري الدولي، دراسة استطلاعية موسعة. زمن الدراسة كان بين 14 و27 أبريل (نيسان) الماضي، شملت العينة 1200 شخص مصري تم انتقاؤهم من مناطق مختلفة من مصر، ونشرت الدراسة تحت عنوان «توجهات الرأي العام المصري». ولأهمية هذه الدراسة العلمية المعمقة، أشارك القارئ ببعض ما جاءت به من نتائجها، لعلها تشير إلينا بخارطة طريق.

الدراسة جاءت في مرحلة يستطيع المواطن المصري فيها أن يقول رأيه في الأحداث التي جرت وتجري حوله بحرية كبيرة. معظم العينة بين سن 18 سنة و55 سنة، وكذلك معظمها من المتعلمين، ذاك ملخص لشكل العينة وتوقيتها.

أما نتائج الدراسة فبعضها لافت للنظر؛ نجد أولا أن هناك تفاؤلا كبيرا بالمستقبل، فمعظم العينة تقول إن مصر تسير «بالاتجاه الصحيح»، نحو 90 في المائة، أما عند السؤال: كيف تصف الوضع الاقتصادي المصري؟ فإن الأغلبية إما قالت إنه سلبي أو أكثر سوءا. وعند الإجابة عن: أي توصيف أكثر قدرة على شرح وضعك الاقتصادي اليوم؟ كانت أغلبية الإجابات إما العيش على الكفاف، أو أجد صعوبة في العيش على الكفاف.

وعن إجابة السؤال: أي من الأشخاص المذكورين له أقوى تأثير على تشكيل وجهة نظرك؟ تبين أن أقرب إلى النصف من المبحوثين قالوا إنه رب الأسرة، وجاء بعدها (36 في المائة) رجال الجيش، ثم (20 في المائة) زعماء الأحزاب. أما الأقل تأثيرا فهم قادة النقابات والأحزاب السياسية ورجال الدين على التوالي؛ فالأسرة المصرية (المنزل) ورجال الجيش هم أكثر من يؤثر في تقرير وجهات النظر للمواطن المصري تجاه الشؤون العامة.

وعند السؤال: هل توافق على إزاحة حسني مبارك من سدة الرئاسة؟ قالت أغلبية العينة: نعم، وهو جواب متوقع أخذا بالظروف المحيطة. وعند سؤال المبحوثين حول عدد من القضايا؛ فيما إذا كانت قد سارت إلى الأفضل أم إلى الأسوأ بعد الثورة، معظم العينة في معظم القضايا قالت إنها سارت إلى الأسوأ، منها مستوى المعيشة، الاستثمارات الخارجية، الأمن، تطور الإعلام المستقل، العناية الصحية. ما تحقق من إيجابيات قليل؛ فتوافق العينة بنسب بسيطة على تقدم في الإصلاح السياسي وضبط الفساد الحكومي.

وعند السؤال: أي المواضيع التي تحتاج إلى استثمار أكبر فيها؟ ظهر التعليم والصحة كأبرز المواضيع التي تحتاج إلى ضخ استثماري فيها، يليهما الحكم المحلي وبرامج الديمقراطية. وعند السؤال: هل تثق في الحكومة الحالية لمواجهة المشكلات التي تواجه مصر؟ نجد أن نحو 40 في المائة يثقون، والباقي إما ثقة محدودة أو لا ثقة. وعند السؤال: إن الحكومة المصرية أعلنت موعدا للانتخابات في سبتمبر (أيلول) المقبل؛ هل توافق على الموعد؟ سادت الموافقة نصف العينة، والباقي قال إن الموعد متسرع أو متسرع جدا. أما عند السؤال: هل سوف تصوت في الانتخابات العامة المقبلة؟ قال 72 في المائة إنهم سيشاركون في الانتخابات، وهذه نقلة نوعية، حيث كان معظم الجمهور المصري يعزف عن المشاركة في السابق، ثم جاء السؤال الآخر؛ لو كانت الانتخابات البرلمانية سوف تعقد الأسبوع المقبل، إلى أي من الأحزاب سوف تعطي صوتك؟ توزعت الإجابات وتذرت على عدد كبير من الاحتمالات، أكثرها وضوحا هو التصويت إلى المستقلين وحزب الوفد، كلاهما 6 في المائة، ولكن المفاجأة في الإجابة عن هذا السؤال أن الأغلبية (65 في المائة) لم تحدد بعد لمن سوف تصوت. وعن سؤال أفراد العينة: هل تثق أو لا تثق في أعمال كل من المؤسسات التالية؟ تبين أن جمهور العينة ليس لديه ثقة في معظم المؤسسات التي سئل عنها، وهي الأحزاب السياسية، الإعلام الحكومي، الإعلام الخاص، القطاع الخاص. فقط القضاء الذي حصل على ثقة العينة بفارق بسيط هو 53 في المائة (نعم أثق) و41 في المائة (لا ثقة)، وهي مؤشرات خطيرة، خاصة في النسبة الأخيرة؛ فعند التشكك في المؤسسة القضائية يصبح المجتمع فاقد الثقة في العدل.

وعند السؤال: أي الأحزاب سوف تصوت لها؛ القديمة أم الجديدة؟ حصلت الأخيرة، الجديدة، على أغلبية 68 في المائة، مما يدل على عدم ثقة في الأحزاب القديمة. نصف العينة فقط التي اعتقدت في الإجابة عن سؤال آخر أن مصر سوف تكون أفضل كثيرا مما كانت قبل 25 يناير 2011م، و36 في المائة أنها ستكون أفضل نسبيا.

أما عند السؤال: هل وافقت في التصويت الأخير على التعديلات الدستورية؟ قالت معظم العينة: نعم. وعند سؤال العينة على أي وسيلة اعتمدت للحصول على أخبار 25 يناير، تبين أن معظم العينة اعتمدت على التلفزيون، وبعده النقل الشفوي، الملاحظ أن أدوات الاتصال الإلكتروني لعبت دورا أقل بكثير من المعلن.

البطالة وتدني مستوى المعيشة هما اللذان حازا على أكثر الإجابات عند السؤال: ما الدوافع التي جعلتك تؤيد ثورة 25 يناير؟ ونقص الديمقراطية حاز على 19 في المائة، أما آثار ثورة تونس واغتيال خالد سعيد، فقد أخذت نسبا قليلة جدا. وعند السؤال: قبل التعديلات الدستورية الأخيرة، هل صوتّ بحرية في الانتخابات السابقة؟ قال معظم العينة (71 في المائة): لم أكن حرا في التصويت، ولما سُئلت العينة: من أي مصدر تأخذ أخبارك؟ قالت نصف العينة إنها لا تقرأ الصحف، وجريدة «مصر اليوم» حازت على 17 في المائة، وبعدها الأهرام (9 في المائة).

أما مصادر التلفزيون، فقد كانت «الجزيرة» و«العربية» هما المصدر، بفارق بسيط لصالح «الجزيرة». ثم السؤال الأخير: هل أنت على الـ«فيس بوك» و«تويتر»؟ 23 في المائة فقط من العينة قالوا إن لهم حسابا على الـ«فيس بوك» وفقط 1 في المائة على «تويتر».

حاولت باختصار غير مخل أن أعرض نتائج استطلاع الرأي هذا الذي يبدو أنه تم بطريقة أقرب إلى العلمية؛ فبماذا ينبئنا؟ بشكل عام أن التلفزيون، وليس أي وسيلة أخرى، هو المصدر لأغلبية الجمهور لاستقاء الأخبار، وأن فكرة وأهمية تأثير وسائل الاتصال الاجتماعي الإلكترونية ما زالت فكرة مستحدثة لم تنل ثقة الناس. وما دام التلفزيون موجودا بوجود جهاز وكهرباء ومحطات فضائية؛ فإن الأفكار تنتشر بين العرب دون الحاجة إلى «قطع الإنترنت».

ويبدو أن الإنترنت ما زال من كماليات الحياة لمعظم العرب، كما أن التفاؤل الذي يحمله المواطن المصري جراء ثورة 25 يناير ما زال تفاؤلا نفسيا لم يلمس الأرض بعد، والواضح أنه قد كفر بالمؤسسات والأحزاب القديمة، ولديه شكوك عميقة، حتى في القضاء، كما أنه يعتمد على رجال الجيش في قيادة المرحلة. بناء المؤسسات هو التحدي الذي يواجه المصريين كما يواجه كل الانتفاضات العربية، وهو التحدي الحقيقي.

آخر الكلام:

في تقرير اليونيسكو المشترك مع مجلة الـ«ليموند دبلوماتيك» حول الثورات العربية، الذي نشر أخيرا، ذكر التقرير أن السبب في الثورات العربية يقع جزئيا على فشل التعليم العربي الذي تدنت كفاءته، فضخ إلى سوق العمل رجالا ونساء متعلمين وعاطلين في نفس الوقت!