أميركا ومنظمة المؤتمر الإسلامي.. منطلق التقارب بين الغرب والشرق

TT

العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية ومنظمة المؤتمر الإسلامي تسير في الاتجاه المقبول، لكن يجب أن تكون أسرع من ذلك، نظرا لمكانة وأهمية الطرفين وقدرتهما على التأثير في مجمل الأحداث العالمية وتوجيهها الوجهة السليمة، وتخفيف حدة التوترات الإقليمية والدولية، إضافة إلى مواجهة الإرهاب والتقريب بين الحضارات من أجل الالتقاء لا الصراع، ومساندة الإصلاحات في الدول الإسلامية خصوصا في مرحلة ما بعد «الربيع العربي».

الولايات المتحدة الأميركية بما تتمتع به من نفوذ دولي ومكانة اقتصادية كبيرة يمكنها أن تجد في منظمة المؤتمر الإسلامي الشريك المثالي لحل معظم القضايا العالقة بين الغرب والشرق خصوصا تلك التي تفاقمت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، وما سبقها من أحداث منذ الحرب الباردة وفترة الاستقطاب الدولي، وما تلاها من موجات إرهاب وفقدان المجتمعات الإسلامية الثقة في الولايات المتحدة الأميركية كقوى دولية محايدة، في حين أن المنظمة هي أكبر تجمع دولي بعد الأمم المتحدة، وهي المنظمة الإقليمية الأكبر على الإطلاق، فهي مظلة ينضوي تحت عضويتها 57 دولة يقطنها أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، ويأتي ذلك في الوقت الذي تتبنى فيه المنظمة تعزيز نهج الوسطية والاعتدال والتقريب بين المذاهب وأتباع الديانات السماوية والحضارات المختلفة، إضافة إلى ترسيخ سياسات حقوق الإنسان ودور المرأة في المجتمعات الإسلامية.

الفترة الأخيرة شهدت تقاربا بين واشنطن والمنظمة، ولعل أبرز محطات هذا التقارب بدأت في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش عندما عين سادة قمبر مبعوثا للولايات المتحدة لدى المنظمة في يونيو (حزيران) عام 2007، وفي 13 فبراير (شباط) من العام الماضي أعلن الرئيس أوباما تعيين رشاد حسين مبعوثا لواشنطن لدى المنظمة، وتوج هذا التقارب بزيارة الأمين العام للمنظمة البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلي إلى واشنطن واستقبال الرئيس أوباما له في البيت الأبيض في 12 أبريل (نيسان) الماضي، وأكد الرئيس الأميركي خلال هذا اللقاء أن بلاده سوف تستمر في سياسة التعامل مع المسلمين في جميع أنحاء العالم في إطار من التفاهم والاحترام المتبادل وتوثيق التواصل بين واشنطن ومنظمة المؤتمر الإسلامي، مؤكدا على استعداد بلاده للمزيد من الشراكة والتعاون مع المنظمة والعالم الإسلامي في كثير من القضايا.

هذه التطورات الإيجابية على صعيد العلاقات بين واشنطن والعالم الإسلامي مهمة لكنها ليست كافية، كما أنها في حاجة إلى التطبيق على أرض الواقع بصورة أوضح حتى يشعر بنتائجها المواطنون في الدول الإسلامية لمحو الآثار السلبية التي تمخضت عن السياسة الأميركية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش والمحافظين الجدد الذين أعلنوا العداء للإسلام، وأيضا لتتطابق وتنسجم مع التعهدات التي قطعها أوباما في الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة نهاية مايو (أيار) عام 2009، وما تلاه من تصريحات أميركية تؤكد على إيجابية العلاقة مع الدول الإسلامية وأنها ليست في حالة حرب مع الإسلام ومعتنقيه.

الولايات المتحدة مطالبة في الوقت الحالي باستثمار علاقاتها الإيجابية مع منظمة المؤتمر الإسلامي ورغبة الأخيرة في التعاون البناء بين الشرق والغرب من أجل تثبيت الأمن والسلم الدوليين وحل القضايا العالقة بين الجانبين وإيجاد الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، وإنهاء التوتر وتحقيق الاستقرار في العراق، وأفغانستان، والصومال، كذلك الحال بالنسبة للدول الإسلامية التي شهدت ثورات شعبية أزاحت أنظمتها السياسية (تونس ومصر)، والدول التي ما زالت تشهد حالة من الاحتشاد السياسي مثل اليمن، وسوريا، وليبيا وغيرها من البلدان الأعضاء في المنظمة، حيث يمكن لواشنطن بالتعاون مع المنظمة مساعدة الشعوب الإسلامية التي تعرضت لثورات شعبية لإعادة ما تضرر من هياكل الدولة، ووضع البرامج التي تساعدها اقتصاديا وتنمويا وتعيد إليها الاستقرار والهدوء. ومن الضروري أن تقدم الولايات المتحدة حلا يرضي الدول الإسلامية بالنسبة للقضية الفلسطينية، تلك القضية التي تأسست من أجلها منظمة المؤتمر الإسلامي خاصة للدفاع عن مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك؛ حيث ظهرت المنظمة إلى الوجود إثر حريق المسجد الأقصى عام 1969.

واشنطن مطالبة أيضا بدعم جهود المنظمة التي تهدف إلى مساعدة الدول الفقيرة في أفريقيا ودفع جهود التنمية فيها للتقليل من حدة الفقر والأمراض والأوبئة الموجودة في تلك الدول التي تعاني من فارق كبير بينها وبين الدول المتقدمة في مختلف مناحي الحياة.

في المقابل، تستطيع منظمة المؤتمر الإسلامي المساهمة وبقوة في حل المشكلة الأفغانية والتقريب بين الفرقاء في هذا البلد الإسلامي الذي يعاني من الحرب الأهلية والصراعات المسلحة منذ أكثر من ثلاثين عاما، وتدخل المنظمة في أفغانستان سيكون مقبولا لدى جميع الأطراف الأفغانية نظرا لمكانة المنظمة وفهمها للتركيبة القبلية والدينية للشعب الأفغاني، خاصة أن الحل العسكري في أفغانستان فشل منذ سبعينات القرن الماضي وحتى الآن، وهذا ما ينسحب على الأزمة الصومالية التي فشلت أميركا ذاتها في حلها منذ مطلع تسعينات القرن الماضي عقب سقوط نظام الرئيس الصومالي الأسبق محمد زياد بري، وهذا ما ينطبق أيضا على العراق وبقية البؤر الملتهبة في العالم الإسلامي، والقضية المهمة أيضا التي تتطلب تضافر جهود واشنطن ومنظمة المؤتمر الإسلامي هي مواجهة الإرهاب والتطرف في الجانبين الإسلامي والمسيحي من خلال تشكيل لجنة مشتركة دائمة تتبنى دراسة المشكلات القائمة وطرح مواطن الاختلاف وأسباب عدم الثقة التي تؤجج التطرف والإرهاب ومعالجتها عبر الحوار ووضع السياسات المشتركة التي تحجم من ظاهرة العداء المتبادل بسبب قضايا الاضطهاد على أساس الدين أو اللون أو الملبس كما هو الحال في أوروبا والولايات المتحدة ضد الجاليات المسلمة.

الفرصة التاريخية مواتية الآن للتعاون البناء بين الولايات المتحدة الأميركية ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي تتجه إلى تغيير اسمها إلى منظمة التعاون الإسلامي، وهذا التغيير يحمل دلالات مهمة تتجاوز كلمة (التعاون) كمصطلح إلى توجه وفعل وممارسة، ويجب أن يكون هذا التعاون بين الدول الإسلامية الأعضاء في المنظمة من جهة وبين الأعضاء ومختلف دول العالم من جهة أخرى، وأن لا يقتصر التعاون على التعاون الاقتصادي بل تعاون فكري، ثقافي، علمي، وحضاري.. والمطلوب من الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إسقاط نظرية الإسلاموفوبيا، والتخلي عن فلسفة العدو الوهمي؛ حيث تم وضع الإسلام في هذه الدائرة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينات القرن الماضي، كما عليه أن لا يغذي نظرية صدام الحضارات التي طرحها صامويل هنتنجتون ويستبدلها بنظرية التقارب بين أتباع الحضارات والديانات، وأن يتجاوز أطروحة نهاية التاريخ التي قدمها فوكوياما، وأن لا يسمح للإعلام المعادي للإسلام ببث سمومه ضد المقدسات الإسلامية تحت غطاء حرية الرأي والتعبير، في المقابل على الدول الإسلامية أن تلتف حول منظمة المؤتمر الإسلامي وتؤيدها في هذا التوجه الإيجابي، وأن تتعامل مع الغرب بعيدا عن الإرث الاستعماري القديم وعن سيطرة نظرية التآمر الغربي التاريخية، وأن يكون التعاون البناء من أجل البشرية هو الهدف والمنطلق.

* رئيس مركز الخليج للأبحاث