عطايا رجبية!

TT

الصورة التركية باهرة، والقصة وأرقامها مثيرة للإعجاب. فاز رجب أردوغان بالانتخابات النيابية الأخيرة وسيشكل حزبه الحكومة القادمة، وذلك للحقبة الثالثة على التوالي لأول مرة منذ تاريخ الجمهورية الحديثة بتركيا. وقصة نجاح رجب أردوغان لا تزال آسرة وملهمة للناس، وخصوصا في العالم العربي، فهذا الرجل الذي نجح بإبهار كعمدة سابق لمدينة إسطنبول، يقود تركيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا نحو مساحة وأفق جديدين وغير مسبوقين. الاقتصاد التركي يبلغ حجمه ما يقارب الـ740 بليون دولار ويحتل المركز السادس عشر في أكبر الاقتصادات العالمية، وهو الاقتصاد الأعلى نموا في القارة الأوروبية، على الرغم من تحفظ هذه القارة الغريب والعنصري على انضمام تركيا كعضو كامل للسوق الأوروبية المشتركة.

منذ وصول أردوغان وحزبه إلى الحكم كبر ونما الاقتصاد التركي بثلاثة أضعاف وذلك بشكل باهر، وكذلك تطور معدل دخول الأفراد بنسبة 100 في المائة، وتنوعت الاستثمارات وزادت الصادرات لشتى أنحاء العالم ووصلت لدول لم تكن تخطط لها، ولكن بات للمنتج التركي مكانة وقيمة ويطلب بالاسم. كل ذلك كان نتاج الرؤية والتنفيذ والحضور الاستراتيجي لرئيس الوزراء التركي، رجب أردوغان، يدعمه في هذا التوجه رئيس الجمهورية عبد الله غل، ووزير الخارجية أحمد أوغلو، وهم جميعا صنعوا حاضرا مغايرا لتركيا على الساحة الدولية، فهي دولة أثبتت وجودها القيادي بإبهار، وتقدم للمعالم أنموذجا بديعا للإسلام الوسطي المعتدل والمتسامح والقادر على الحياة مع الآخرين بشكل أخاذ وناجح.

حتى في المشكلات السياسية والتحديات التي جاءت مع «ربيع العرب» كان الصوت التركي هو الأبرز في المواجهة مع إسرائيل والمشكلة الليبية والمصرية واليمنية، وطبعا مؤخرا مع سوريا، وهي التي كانت دوما أقرب الأقربين وأهم حلفاء دمشق وصاحبة الحضور الاقتصادي المهم، ولكن مع تطور سياسة القمع من النظام السوري بحق المواطنين وتدفق أعداد مهولة منهم إلى الأراضي التركية استمر رجب أردوغان في محاولة نصح النظام السوري للاتجاه للإصلاح والحوار والتضحية برموز الفساد. أردوغان اليوم سيكون توجها جديدا في تركيا الغاية منه إحداث تطوير في الدستور لمنح الحقوق والحريات وتحسين مناخ العمل والاقتصاد والاستثمار، اليوم تركيا تسعى لتكون أهم قوة ناعمة إقليمية، قوة تحترم ويحسب لها حساب ليس لديها أجندة خاصة ولا اهتمت بتصدير ثورة وعقيدة ونووي؛ مثل ما عمله عمدة طهران الأسبق الذي أصبح رئيس إيران هو الآخر، أحمدي نجاد، كسب عداوات الناس ودمر اقتصاد بلده بتركيزه على صرف محموم وأهوج على الترسانة العسكرية على حساب التنمية والتطوير في بلاده.

رجب أردوغان جاء إلى السلطة وسط موجات عارمة من المشككين فيه وفي نياته، لم يرحمه العسكر ولا قدرة العلمانيين، وحتى جيرانه اعتبروه سياسيا جديدا وخفيف الوزن لن يستطيع الوفاء بوعوده ولا تقديم ما يلزم من نتائج للتحقيق في مصداقيته، ولكن بمرور الوقت يسطر رجب أردوغان اسمه كأحد أهم قادة العالم الثالث، سيحكى عنه مثل ما سيحكى عن نيلسون مانديلا ولي كوان يو ومهاتير محمد وغيرهم من الزعامات الناجحة الفاعلة والمؤثرة، وبالتالي، اليوم والعالم يقر بفوز أردوغان لفترة ثالثة وغير مسبوقة (وهي الأخيرة له بحسب ما أعلن)، سيكون القائد المرشح للحزب في المرحلة اللاحقة محصورا بين المرشح الأوفر حظا عبد الله غل ووزير الخارجية أحمد أوغلو، وهو بذلك يكرس الفكر المؤسسي لضمان استمرارية النهج الناجح ويعرف ويدرك تماما متى عليه الانسحاب فهو يستفيد من الكوارث العربية الموجودة حوله بشكل هستيري وفج ولا يرغب بطبيعة الحال أن تكرر تركيا هذه الدولة العصرية والديمقراطية والمسلمة أي شكل من هذه الحماقات والأخطاء.

نجاح أردوغان، وأرقامه الباهرة، يقدم جرعة مكثفة عن «الممكن السياسي» والتحدي الاقتصادي الذي بالإمكان إنجازه. المثال التركي قصة نجاح بحاجة لأن تقلد عربيا. في شهر رجب جاءت بشارة نصر رجب.. جميل.

[email protected]