أردوغان بعد ناصر والخميني!

TT

لا أدري إن كانت تركيا في حالة تشكل تتلمس خلالها خطاها، أم إننا نحن الذين في حال تعرف عليها، إنما الأكيد أن تركيا ليست دولة شرق أوسطية تقليدية رغم أنها بلد ذو خصائص مشتركة مع دول المنطقة اجتماعيا وتاريخيا، إلى حد ما.

في انتخابات نزيهة انتخب الأتراك حزب العدالة والتنمية للمرة الثالثة على التوالي.. فاز فوزا لكنه لم يكن ساحقا، أقل من خمسين في المائة. وبالتالي، عليه العمل مع الأحزاب الأخرى إن أراد حقا إعادة تطوير العمل السياسي كما وعد. قبل 8 سنوات فاز للمرة الأولى بنحو ثلاثين في المائة فقط كانت كافية لتشكيل حكومة وإثبات أنه حزب سياسي يلتزم بقواعد اللعبة وليس كما كان يُخشى من كونه حزبا إسلاميا مؤدلجا يريد كل كعكة الحكم. ثم خاض بعد أربع سنوات الانتخابات التالية وفاز بستة وأربعين في المائة، أي إنه نجح في الامتحان وكسب الثقة. والآن فاز بأقل قليلا من خمسين في المائة، مما يعني أنه صار حزبا شعبيا.

أظن أننا أمام أربع سنوات أردوغانية تركية غير عادية، ستكون أهم سنوات لتركيا في المنطقة منذ ستين عاما عندما بناها مؤسسها كمال أتاتورك على فكرة الدولة الحديثة. وهي دولة مختلفة عن النموذج العربي ومختلفة عن الدولة الإسلامية مثل إيران، وليست أوروبية أيضا.

وعندما قلت إنني لا أستطيع أن أجزم إن كانت هي تركيا جديدة تتلمس طريقها أم نحن الذين اكتشفنا تركيا متأخرين، فالسبب فعلا أننا نسمع ونرى شكلا مختلفا عما اعتدنا عليه في المنطقة. زعيمها الطيب أردوغان قال - وهو يعرف أن كلمته متلفزة ومترجمة - للعرب: «إن تركيا ستكون النموذج الذي يحتذى»، وربما علينا أن نصدقه ونفهم معاني هذه العبارة. من طبع دول المنطقة أن تنظر إلى فوق تبحث عن زعيم تقلده، فقد احتذت المنطقة نماذج مختلفة؛ في الخمسينات كان هناك النموذج الناصري الذي ألهم الانقلابات العسكرية، والفكرة القومية، لكنه ما لبث أن سقط، فالنموذج البعثي القومي الذي لم ينجح أبدا، ثم ظهر النموذج الإيراني الذي ألهم الفكر الثوري وأحيا الحركة الدينية الأصولية.. هو الآخر سقط. الآن نحن أمام نموذج تركي يحث أيضا على التغيير، وسريعا صار لزعيمه أردوغان شعبية عند عامة العرب. أرضى ملايين العرب المكسورين عندما أهان أمام الملأ رئيس إسرائيل شيمعون بيريس، وتحدى حظر إسرائيل بسفن إغاثة أبحرت إلى شواطئ غزة المحاصرة. ومع أن الحملة الإغاثية فشلت، إلا أن الدعاية التركية نجحت.

والآن أقدم أردوغان على أهم عمل سياسي خارجي في تاريخ تركيا، منذ طرد عسكر الأتراك من العالم العربي، بالوقوف إلى جانب الشعب السوري ضد نظامه في وقت تعامت فيه كل الحكومات العربية عما يحدث هناك. أردوغان اليوم بطل شعبي عربي.

يمكن أن نقر بأن هناك نموذجا تركيا مختلفا.. نموذجا إسلاميا معتدلا.. ديمقراطيا أيضا معقولا.. سياسة خارجية بخطاب متوازن؛ مع حكومة سورية عندما تحاصرها إسرائيل، وضدها عندما تقمع شعبها.. مع علاقات علنية مع إسرائيل دون أن يكون ذلك على حساب الشعب الفلسطيني.. حكومتها إسلامية ليبرالية تحت سقف علماني، وهي بلد متوسطي الجغرافيا، وغربي الاقتصاد. وكل هذه الخصائص التي ذكرتها ليست جديدة على تركيا، مع هذا، أشعر أننا أمام تركيا جديدة في المنطقة، ولا أستطيع أن أجزم كيف سيعمل النموذج التركي في المنطقة.

[email protected]