نحن والغرب

TT

لم يطب لبعض القراء ما أقوله عن الغرب وعلاقتنا به. وهذه نقطة مهمة الآن في ضوء سياسة أوباما ومبادراته نحونا، وأيضا مهمة جدا... جدا... بالنسبة لمستقبلنا وأحلامنا بالخلاص والنهوض.

بداية، علينا أن نعرف جذور هذا النزاع بيننا وبين الغرب. هذه مسألة جيوفيزيائية. الدين والثقافة مجرد مظاهر لها. تحتاج أوروبا لخيرات أفروآسيا. الوضع الجغرافي لمنطقة البحر المتوسط جعل سكان الشرق الأوسط يمسكون بمفاتيح توريد هذه الخيرات لأوروبا. هكذا مسك تجارنا وحكامنا بطريق رحلتي الصيف والشتاء من اليمن إلى الشام وطريق الحرير من سمرقند إلى حلب وطريق العاج من الخرطوم إلى الإسكندرية. تحمل هذه البضائع من الموانئ العربية إلى أوروبا بعد أن نتقاضى عنها إتاوات باهظة. وأخيرا مسكنا بطريق قناة السويس وكل هذه الخطوط الجوية. والآن ظهر النفط في أرضنا ليضاعف من حاجة الغرب إلينا. أضف إلى ذلك تعطش الغربيين للشمس ومناخنا المعتدل. هذا هو سر هذا النزاع الذي تمتد جذوره بعيدا في التاريخ. وعلى هامشه جرت كل تلك الحروب الدامية، الفرس ضد الإغريق ثم الرومان، روما ضد مصر، العرب ضد الروم، الصليبيون ضد المسلمين، العثمانيون ضد الأوروبيين، وأخيرا الاستعمار الغربي ضدنا.

حاول البرتغاليون الالتفاف علينا في القرون الوسطى بالالتفاف بحرا حول أفريقيا. جرهم ذلك إلى حروب متواصلة مع العمانيين تركت لنا كل هذه القلاع المقامة على امتداد سواحل البحر العربي والخليج.

أصبح من الطبيعي لهذا النزاع الجيوفيزيائي/ الاقتصادي/ العسكري الطويل أن يترك آثاره في ضميرنا وموقفنا من الغرب. تعاظم كرهنا للغرب بما فعلوه بفلسطين. أصبحنا ننظر لأي حركة منهم بشك وخوف. ازدادت هذه المشاعر بتفوقهم علينا في كل ميدان. رحنا نردد فنقول: إذا رأيت سمكة تتحرك في البحر فاعلم أن الإنجليز وراءها. ومن آخر هذه المشاعر البارانوئية، ما قاله البعض عن الربيع العربي. قالوا كيف تزامنت كل هذه الانتفاضات وجرت في وقت واحد؟ لا بد ممن خطط لها. ومن يكون هذا غير الاستعمار الغربي! يعكس هذا القول ازدواجية موقفنا من الغرب. فهو يعبر عن خوفنا منهم وشعورنا بعجزنا عن القيام بأي شيء، ويعبر من الناحية الأخرى عن إعجابنا بقدراتهم وعظمتهم. أنتجت هذه المشاعر نتائج سلبية خطيرة عرقلت نهوضنا ومزقت مسيرتنا. أصبحنا نعارض أي شيء ينم عن رائحة غربية فيه. هكذا رفضنا في العراق الممعن في التخلف في العشرينات نظام الانتداب الذي صمم لتوجيهنا وتعليمنا والنهوض بنا. أخذنا استقلالنا وسلمناه بيد العسكر والمتحزبين. لا أشك في أن معظم من سيقرأون هذه الكلمات سيشتمونني على ما أقول انطلاقا من نفس هذه المشاعر البارانوئية القديمة. وكذا أضاع الفلسطينيون بلدهم بتمسكهم بلاءاتهم التاريخية المنطلقة من نفس المشاعر. كلما تقدم الغرب باقتراح رفضناه ثم ندمنا، حتى أصبحنا خليطا من الرفض والندم، تماما مثل المرأة العانس. أصر المصريون على الجلاء فجلا الإنجليز من السويس، فانفتح الباب لإسرائيل لتستولي على سيناء. لقد آن الوقت للاعتراف بضعفنا وحاجتنا للغرب وفتح صفحة جديدة.