في قول الرميحي عما قاله عمرو

TT

في مقالته السبت الماضي (11/ 6/ 2011) أخذ الأستاذ محمد الرميحي على مرشح الرئاسة المصرية عمرو موسى قوله إنه سوف يحاول الجمع بين «الوفد» و«الناصرية»، معلقا بأن موسى يكون بذلك مرشح الماضي لا المستقبل! ويا مولانا الرميحي، لم نعرف، أنت وأنا، تجربة «الوفد» إلا من كتب التاريخ. لكن دعني أذكرك بأنه يوم كان مصطفى النحاس باشا رئيسا للوزراء، وخصما للملك فاروق، كان يختنق من معارضة فاطمة اليوسف لحكومته.. يتيمة من لبنان صارت ممثلة في القاهرة ثم ناشرة كبرى.. لم يرسلها إلى طرة، ولم يرسل إلى مكاتب المجلة التي استأجرتها في بناية أحمد شوقي، من يكسر ويحطم، ولم يؤمم صحف الناس وأرزاقهم، ولم يخنق الحريات، ولم يهددهم، ولم يرعبهم.

لم تكن الطائفية أيام «الوفد» رعبا ولا مداهنة.. كان مكرم عبيد القبطي زعيما وطنيا في مناهضة البريطانيين مثل زعماء المسلمين، وكان النحاس يخاف مقالات عباس محمود العقاد ويؤنب السفير البريطاني، وليس العكس.

لذلك يا عزيزي أبا غانم، «الوفد» هو المستقبل وليس الماضي.. هو الحزب الذي مارس الوطنية والقومية من دون أن يعتبر أن شرط الوطنية وأد الحريات وإلغاء الناس وإبعاد الرفاق واحدا بعد واحد.. رجلا رجلا، وزنقة زنقة. لا نعرف ماذا كان حدث لو استمر «الوفد» في مصانعة الوضع السياسي والاجتماعي في ظل ظروف ومعطيات تلك المرحلة، لكننا نرجح أنه سوف يفعل ما فعله نهرو، الذي كان يرى في سعد زغلول مثاله، كغاندي؛ أي إنه كان سيطرد الاستعمار من دون أن يطرد معه الحرية، وكان سيقود عمل المؤسسات ودولة القانون، من دون أن يعني القانون الرعب والخوف وتخلف عجلة المعاصرة والمنافسة الإنتاجية.. وربما لم يكن ليهزم إسرائيل، لكنه بالتأكيد لم يكن ليتركها تهزم مصر؛ لا عسكريا ولا معنويا، على طريق النمو.

لماذا؟ إن «الوفد» كان مشروع دولة قائمة على القانون.. على القضاء والعدالة والتعليم، وليس على مفهوم صلاح نصر لحماية النظام والتعاطي مع البشر.

في كل هذه المعاني، كانت تجربة «الوفد» البسيطة والتأسيسية، هي المستقبل الذي لم يكن، والمفزع أنه قد لا يكون، لأن القانون ثقافة وتنشئة الناس، لا الحكام. والشعوب العربية لم تعرف شيئا عن هذا الحل المبسط والعميق، منذ عشرات السنين. وإذا كان الرميحي يريد أن «يزكزك» عمرو موسى، بغير وجه حق، لكان سأله كيف يمكن أن يجمع بين «الوفد» والناصرية؟ إلا إذا كان المقصود توسيع قاعدة الاقتراع. وليتنا كنا ننتخب في الزمالك؛ لاقترعنا لسعادة الأمين العام.