الولايات المتحدة تطالب برواية جديدة استجابة للانتفاضة العربية

TT

بينما كنت أتخذ خطواتي بعد هبوط الطائرة لحضور مؤتمر بعنوان: «الولايات المتحدة، في شرق أوسط متغير»، لفت انتباهي الغلاف الأمامي لمجلة «أتلانتيك». وما جذبني أكثر من عنوان المقال الرئيسي في المجلة: «خطر: سقوط الطغاة»، صورة امرأة منتقبة لا يبدو من وجهها سوى عينيها معروضة مع العنوان الرئيسي: «هل هذا هو وجه الديمقراطية العربية؟».

عندما نعمل على تقييم التغييرات السياسية التي تواجه الحكومات في مصر وتونس وبلاد أخرى في الشرق الأوسط، نكون قد تابعنا تشبثنا برواية فاشلة. فقد ظل الحكام المستبدون في العالم العربي والحكومات الغربية والمعلقون السياسيون يبررون مساندتهم للأنظمة القمعية بحجة أن البديل عن ذلك يعني الفوضى واستيلاء الإسلاميين على الحكم، أو أن الثقافة العربية والإسلام يتعارضان مع الديمقراطية. فالقضاء على العادات القديمة في غاية الصعوبة. وتؤكد الثورات العربية ما آلت إليه الاستفتاءات الكثيرة التي أجريت حول الرأي العام والتي سبق ذكرها. وفيما يبقى موضوع الدين مهما، تفضل الأغلبية في المجتمعات الإسلامية الحكومة الديمقراطية على الحكومة الدينية. ويوضح آخر تقرير أجرته «غالوب» بعنوان: «مصر من التحرير إلى التغيير» مزيدا من الرؤى في مواقف المصريين في هذا الوقت الحرج من التغيير. فالمصريون في الواقع لا يهتمون (1%) بوضع نموذج نظامهم السياسي وفق نظام جمهورية إيران الإسلامية. فمعظم المصريين (69%) يعتقدون أن دور قادة الدين يجب أن يقتصر فقط على دور الاستشاري للسلطات الحكومية. أضف إلى ذلك أنه رغم أن غالبية المصريين يؤيدون «الإخوان المسلمين»، فإن «الإخوان المسلمين» لا يحظون بأكثر من 15% من الدعم الشعبي. وليس فقط أن الكثير يبالغون في الدعم الشعبي للإسلاميين، ولكن يفترض معظمهم أن تفضيل تنظيم عمره عشرات الأعوام مطابق لمعاداة الأميركيين، والدليل على ذلك مختلف، استنادا إلى الاستطلاع الذي أجرته «غالوب»، فإن المساندين لـ«الإخوان المسلمين» هم على أكثر احتمال 26% من الرأي العام مقابل (18%) للموافقة على قيادة الولايات المتحدة.

وتناقض البيانات أيضا المفاهيم الخاطئة لميول الإسلام إلى العنف: فقد وجد تقرير «غالوب» أن المصريين أكثر احتمالا بشكل عام في العالم للقول بأن استهداف وقتل المدنيين لا مبرر له مطلقا (97%). ولا يرفض المصريون الإرهاب فقط كتكتيك لأسباب أخلاقية، ولكن معظمهم (79%) يعتقد أن «الوسائل السلمية وحدها» هي فعالة لتصحيح الظلم.

إن الخوف من استيلاء إسلامي عدواني عنيف يؤدي إلى خطر اتخاذ قرار مدمر بحد ذاته للتشجيع على حصيلة محددة في الانتخابات العربية، والنتائج الممكنة لأي محاولة سياسية متقنة هي ما ينبغي أن نخشى منه فعلا وهي - الانتخابات المتنازع عليها، والفوضى، والعنف، والتصاعد في معاداة الولايات المتحدة. ولا يزال كثير من المصريين يشعرون بالقلق من إمكانية تدخل الولايات المتحدة في شؤونهم السياسية. ويعتقد نحو ثلثي المصريين استنادا إلى استنتاج «غالوب» أن الولايات المتحدة سوف تحاول التدخل في مستقبل مصر السياسي مقابل جعل الناس يتخذون قراراتهم بأنفسهم. إضافة إلى ذلك فثمة عدد مشابه لا يوافقون على أن الولايات المتحدة جادة في تشجيع أنظمة الحكومة الديمقراطية في إقليمهم. ولكي نبني الثقة ونعمل على تعزيز علاقتنا مع مجتمعات عربية حديثة السلطة، علينا الاستمرار في مساندة المبادئ الديمقراطية، وليس الأحزاب السياسية أو الأفراد.

وككافة أفراد الشعب، فإن المصريين يرغبون في أن يكونوا مستقلين في صياغة نظمهم السياسية - وبشكل خاص معظم المعجبين بالمبادئ الديمقراطية الأميركية. ويعارض 88% من المصريين الذين يتطلعون إلى الولايات المتحدة كنموذج سياسي لبلادهم مساعدة الولايات المتحدة للجماعات السياسية في بلادهم، وهي نسبة أكبر من نسبة أولئك الذين يحملون هذا الرأي بين عامة الناس (75%). وربما تكون النتيجة أن 52% من المصريين بشكل عام يعارضون قبول المساعدات الاقتصادية من الولايات المتحدة، كما يفعل 43% من أولئك الذين يعتقدون أن مصر يجب أن تنظر إلى الولايات المتحدة كنموذج للديمقراطية.

إن مشهد الكثير من المحتجين عبر العالم العربي والداعين إلى الإصلاحات الديمقراطية يسلط الضوء على قيمنا المشتركة. وفيما نحاول بناء جسور لهؤلاء العامة الحديثي السلطة، علينا أن نتجاوز رواية فقدت مصداقيتها ومجموعة من الافتراضات الباطلة. وعلينا أن ندعم ولكن بتريث ممارسة العرب للحريات الشديدة التي نعتز بها.

* جون إسبوزيتو أستاذ جامعي ومدير مؤسس لمركز التفاهم الإسلامي المسيحي ومؤلف كتاب: «مستقبل الإسلام». وداليا مجاهد تدير مركز «غالوب» أبوظبي إضافة إلى مركز الدراسات الإسلامية. مجاهد وإسبوزيتز شاركا في تأليف كتاب: «من يتحدث باسم الإسلام؟ ما يفكر فيه حقا مليار مسلم».