لماذا تحتاج إيران إلى التخلي عن الأسد؟

TT

هل بدأت إيران في التخلي عن المستبد السوري بشار الأسد؟

من الناحية الرسمية، لا يزال النظام البعثي داخل دمشق والنظام الخميني داخل طهران حليفين استراتيجيين. وبموجب اتفاق، تم التوقيع عليه في عام 2004، فإنهما ملتزمان بمساعدة بعضهما بعضا ضد أي «تهديدات خارجية». كما يعقد الطرفان أيضا اجتماعات سنوية لقادة عسكريين بارزين، ويبدو ظاهريا أن الهدف منها «تنسيق الجهود لتعزيز الاستقرار الإقليمي». وتقدم إيران أسلحة إلى سوريا، وتقوم بتدريب أفراد الأمن السوريين منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي. وتبلغ حزمة المساعدات الإيرانية السنوية لسوريا أكثر من 500 مليون دولار.

ويعتقد متخصصون أنه بعد تفسخ التكتل الشيوعي، حلت الجمهورية الإسلامية محل الاتحاد السوفياتي كمدافع عن سوريا. وقد كانت سوريا مفيدة لإيران في نواح عديدة.

لقد منعت ظهور التكتل العربي الموحد ضد النظام الخميني، ولعبت كقناة للنفوذ الإيراني داخل لبنان. ولم يخف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد طموحه في أن يرى إيران لها وجود داخل البحر المتوسط للمرة الأولى منذ القرن السابع. ويأمل أن يتحقق ذلك من خلال السيطرة على العراق واستخدام سوريا ولبنان كدول تابعة. وصورت وسائل إعلام طهران الظهور الأخير لأسطول حربي إيراني في موانئ سوريا كمناسبة درامية للتأكيد على وجود إيران. وخلال العام الماضي، أسهم عامل جديد في رفع قيمة سوريا كأصل إيراني في المنافسة الجغرافية السياسية داخل منطقة الشرق الأوسط.

وهذا العامل هو تركيا.

ولاقتناعهم بأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أصبح سرابا أكثر منه شيئا محتملا، تحول زعماء تركيا إلى سياسة خارجية «عثمانية جديدة» تهدف إلى خلق منطقة نفوذ تمتد من حوض بحر قزوين إلى شمال أفريقيا. وتتصادم طموحات تركيا الجديدة في خطط إيران لبسط هيمنتها.

ولن يكون تنافسهما محصورا على الساحة الجيوسياسية، بل توجد منافسة آيديولوجية فرعية، فالقيادة الحالية داخل تركيا عبارة عن فرع معتدل من الإخوان المسلمين يعملون تحت لافتة حزب العدالة والتنمية. وقال رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أمام حشد تجمع عقب فوز حزبه في الانتخابات داخل اسطنبول الأحد الماضي «اليوم، تقدم تركيا نموذجا للعالم الإسلامي. وتريد تركيا أن تكون صوتا للمسلمين بمختلف أنحاء العالم».

وبالنسبة إلى الخمينيين داخل طهران، فإن زعم أردوغان يعد شيئا مستفزا، بل أشبه بالتلويح بثوب أحمر أمام ثور إسباني. (يزعم الدستور الخميني أن علي خامنئي هو «زعيم المسلمين كافة بمختلف أنحاء العالم»).

لقد حرصت تركيا على مدار قرابة ثلاثة أعوام على التقرب إلى سوريا، ووقعت الدولتان اتفاقات تجارية تصل قيمتها إلى مليار دولار، ويعد ذلك مبلغا كبيرا بالنسبة إلى الاقتصاد السوري الصغير. كما كانت تركيا «وسيطا» في محادثات بين سوريا وإسرائيل. وفي المقابل، عزز ذلك من سياسة إسرائيل التقليدية بدعم عائلة الأسد في مقابل «مستقبل مجهول».

ومنذ تولي الملالي سدة الحكم عام 1979، يحدو طهران أمل في أن تصبح «قوة عظمى إقليمية». وفيما تراجعت الولايات المتحدة من الناحية الاستراتيجية تحت رئاسة باراك أوباما، بلغت غطرسة طهران ذروتها تحت حكم أحمدي نجاد. ويمثل دخول تركيا غير المتوقع في المنافسة تهديدا لطموحات طهران.

وفجأة بدت سوريا قطعة مهمة على طاولة الشطرنج.

وليس مفاجئا أن وسائل الإعلام داخل إيران اختارت تجاهل الانتفاضة ضد النظام الحاكم في سوريا. وحتى هذا الأسبوع، عندما تذكر الانتفاضة، تصفها وسائل الإعلام الإيرانية بأنها «مؤامرة أميركية صهيونية». ولكن، تدلل بعض الإشارات، رغم ضعفها، على أن طهران قد تجري مراجعة للوضع داخل سوريا.

وللمرة الأولى منذ بدء الانتفاضة، نقلت وكالة الأنباء الرسمية «إيرنا» خبرا عن «الحاجة للاستجابة للمطالب المشروعة للشعب السوري». ونصحت صحيفة «كيهان»، التي يديرها مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، القادة السوريين بإجراء «إصلاحات ضرورية» للقضاء على «مؤامرات أميركية صهيونية». ويزعم أعضاء متشددون في المجلس الإسلامي، البرلمان الإيراني الزائف، أن سوريا في مشاكل بسبب «انشغالها بالعلمانية».

وربما كان الأكثر أهمية أن طهران قررت وقف تدفق الحجاج إلى «الضريح المقدس» بالقرب من دمشق. والمبرر بحسب ما ذكره الملحق الثقافي الخميني داخل سوريا أن الحجاج يسافرون أيضا إلى لبنان حيث يزورون «مناطق بها أغلبية مسيحية» ويكونون عرضة لـ«أفكار خاطئة».

وبالطبع من المبكر جدا القول ما إذا كانت طهران ستتخلى عن عائلة الأسد. ولكن لا يمكن استبعاد هذه النهاية، فالخمينيون لم يترددوا من قبل في التخلي عن تابع لهم عندما بدا طرفا خاسرا. (وأخيرا، تخلت طهران عن عائلة الحكيم داخل العراق، بعد أن دعمتها على مدار ثلاثة عقود. ونقلت طهران دعمها إلى المجموعة التي يقودها مقتدى الصدر).

وإذا تغير موقف طهران، فإن السبب سيكون، مرة أخرى، هو تركيا. فبعد أن دعمت في بادئ الأمر عائلة الأسد، تحولت تركيا حاليا إلى دعم الانتفاضة. ومن خلال القيام بذلك فإنها تركز على المستقبل، حيث إن عائلة الأسد تبدو بصورة متزايدة شيئا من الماضي. ولكن لا تزال إيران مرتبطة بالماضي داخل سوريا، ولذا يمكن أن تظهر كطرف خاسر.

إذا حدث تغيير في النظام داخل دمشق، ستكون إيران دولة دعمت عائلة الأسد بينما كانت هذه العائلة تقوم بقتل المواطنين في الشوارع. وإذا تمكنت عائلة الأسد من التمسك بالسلطة ظاهريا من خلال مذبحة جماعية، ستكون طهران مرتبطة بنظام مفلس ومنعزل داخل دمشق.

ولكن مستقبل تركيا مختلف، حيث سينظر أي نظام جديد يظهر داخل دمشق إلى تركيا على أنها صديق حقيقي قدم دعما للشعب السوري. وإذا بقيت عائلة الأسد في السلطة، ستظهر تركيا في مقدمة موجة جديدة من الإصلاح والتغيير في الشرق الأوسط الكبير.

ووفقا لجميع التصورات، فإن السبيل الوحيد لتتجنب إيران أن تصبح طرفا خاسرا هو أن تتخلى عن الأسد وتتواصل مع الشعب السوري.

وبغض النظر عن رأيي فيهم، سيكون واضعو الاستراتيجيات الجغرافية داخل طهران بعيدين كل البعد عن الواقع لو لم يكونوا على علم بذلك.