لماذا هذا الصمت؟

TT

فعلا سؤال محير: لماذا الصمت العربي الغريب تجاه «المجازر» التي يقوم بها النظام السوري علنا، وجهارا نهارا، تجاه المواطنين المحتجين على القمع في سوريا؟!

لماذا العرب كانوا «فصحاء» جدا في ليبيا، بل وشارك بعضهم بالمال والسلاح لإسقاط نظام وجماهيرية العقيد القذافي، بينما لزموا الصمت تجاه ما يجري في سوريا؟!

في ليبيا هناك مسلحون يقاتلون النظام، ومعهم طائرات وصواريخ الناتو، أي إن نظام القذافي يقاتل مجاميع مسلحة ومدعومة بالغطاء الجوي الدولي، بينما النظام في سوريا يقاتل، بل يقتل، أناسا عزلا إلا من الهتاف والصراخ والتضحيات؟!

دعونا من «جسر الشغور» وما قيل عن وجود سلاح بيد المحتجين، نتحدث عما قبل ذلك بكثير، في درعا واللاذقية وحمص والقامشلي وغيرها، حيث لم يكن سلاح ولا يحزنون.

إن كان المبرر للتدخل العربي الصريح سياسيا وعسكريا في ليبيا هو أن كتائب القذافي تقتل «المدنيين»، ففي سوريا المدنيون فعلا هم من يتلقى قذائف الفرقة الرابعة وينسحل تحت جنازير الدبابات دون أن تحميه طائرات الأطلسي!

الجامعة العربية نطقت أخيرا وبخجل على لسان أمينها «الآفل» عمرو موسى، وقالت كلاما مشذبا عن «القلق» مما يجري في سوريا، ولم يحتمل النظام حتى إبداء القلق من قبل الجامعة العربية وراح كالعادة، ومعه الأبواق اللبنانية التابعة له، والأكثر حماسة من الأبواق السورية نفسها! يكيل التهم بالخيانة والعمالة للعدو الأميركي والصهيوني.. إلخ، هذه المعزوفة التي بها يبرر التمثيل بجثة الطفل حمزة الخطيب وخطف وسحل المدنيين السوريين.

بصراحة، وكما قال الزميل طارق الحميد مرارا، وقال مثله كتاب آخرون مثل داود الشريان، هناك استغراب من هذا الصمت، ومأزق أخلاقي وسياسي كبير يقع فيه العرب، وعلى وجه الخصوص دول الخليج، تجاه المأساة السورية.

«تركيا أردوغان» بدأت تأخذ مواقف أكثر صراحة ووضوحا تجاه بلايا وتعنت النظام في سوريا، وقبلها الموقف الحاد من فرنسا، بينما العرب وأهل الخليج في صمت عجيب.

اللاجئون السوريون الذين فروا إلى تركيا، وهم بالآلاف، عبروا، كما نشرت هذه الصحيفة، عن غضبهم من الصمت الدولي والعربي تجاه مأساتهم، وأظن أن الدم السوري المراق والمستمر سيحرج الجميع، وفي مقدمهم أميركا الأوبامية، الذين سوغوا التدخل العسكري والسياسي في ليبيا بالعذر الأخلاقي والإنساني، في حين أن الفضيحة الأخلاقية السياسية في سوريا أكثر عريا ووضوحا.

لسنا نتحدث عن الدعوة لتدخل عسكري مماثل، فهذا قد يخرب القصة كلها، ولكن نتحدث عن المنطق الذي به برر الكل تدخلهم في ليبيا.

الغريب أن الذين صفقوا وهللوا من المحسوبين على النظام السوري، ومثلهم أبواق حزب الله اللبناني - الإيراني، كانوا يلتزمون الصمت تجاه المشاركة الفعالة لطائرات الناتو وصواريخ أميركا الموجهة ضد نظام القذافي، ويتغنون بثوار ليبيا، والآن يخرج لنا الناطق باسم الخارجية الإيرانية منددا بأي إمكانية، مجرد إمكانية، لأي تدخل عسكري أميركي أو أوروبي تجاه جرائم النظام في سوريا ضد المدنيين، فأي عار هذا؟!

إما أن يتحدث القوم عن مبررات التدخل هنا أو هناك بوضوح ودون التصاق بالمبادئ الإنسانية، أو أن تكون هذه المبادئ هي هي في كل مكان.

ما يجري في سوريا فاق بمراحل كل ما يمكن أن يقال عن خطايا القذافي أو مبارك أو بن علي أو صالح.

[email protected]