إيران من دون أسلحة نووية

TT

لندن - هل تذكرون إيران؟

انقضى عامان منذ أن اندلعت المظاهرات الإيرانية للاحتجاج على سرقة الانتخابات بشجاعة حركت العالم وقدمت للأميركيين صورة حقيقية لأمة فتية ومتعلمة أكثر منها دولة إسلامية متعصبة. لكن الحركة الخضراء التي تعرضت لقمع وحشي تحولت إلى نبراس أضاء للربيع العربي.

وكما كتب حميد دباشي من جامعة كولومبيا، في يوليو (تموز) 2009 «أعتقد أن طهران لن تترك أي دولة إسلامية أو عربية أو حتى إسرائيل من دون أن تؤثر عليها. فالصور التي بثت للإيرانيين من جميع الطبقات وهم يتحركون إلى الشوارع غيرت الصورة النمطية للشرق الأوسط لدى العالم».

نادرا ما كانت تقال كلمات أكثر تبصرا.. اقتبسها نادر هاشمي، من جامعة دنفر، في حديثه له مؤخرا عن إيران، والذي أشار فيه إلى أن «الأهداف المشتركة التي تجمع العرب والإيرانيين هي الديمقراطية والكرامة وسيادة القانون واحترام الحقوق الأساسية للإنسان والشفافية السياسية والقضاء على الفساد».

هذا الدافع لا يزال قويا في إيران أسفل الجمهورية الإسلامية الغامضة والتي تسير بلا هدف. إيران ضعيفة الآن، وآيديولوجيتها باتت متعبة كما هو الحال مع أسامة بن لادن، كالهامشية بالنسبة للأفراد الساعين إلى التوفيق بين دينهم الإسلامي والحداثة بوسائل جديدة.

أود سبر هذا الضعف عبر وسائل جديدة، لكننا لا نزال متمسكين برؤية العالم المليئة بالرهاب من إيران، والمتمثلة في العلاقة الأميركية الإيرانية.

ربما يعود ذلك بشكل كبير إلى أن هناك سبيلا جديدا لتذكر إيران، بأنها تمثل تهديدا نوويا وأنها على وشك الوصول إلى إنتاج القنبلة الذرية أو امتلاك القدرة اللازمة لذلك، لكنها لم تتمكن من ذلك على الإطلاق، على الرغم من التحذيرات التي أطلقها قادة إسرائيل والتي تعود إلى تسعينات القرن الماضي، والتي تفضل وضع إيران في المناطق المفضلة من التناقض والقصور الذاتي. وخلال انتظار اقتراب هذه اللحظة يمكن للمرء أن يتذكر التوقعات التي أطلقها شيمعون بيريس عام 1999، وإيهود باراك عام 2004، أو ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن وجود «طغمة من المتشددين الذين يتحكمون في السلاح النووي الإيراني»، أو ربما ضلالات صديقي جيفري غولدبرغ في مجلة «ذا أتلانتيك» العام الماضي للإجماع على أن هناك احتمالات تتجاوز الخمسين في المائة لإمكانية شن ضربة جوية على إيران في يوليو المقبل، أي الشهر القادم.

ربما يكون من الجدير بالذكر أيضا تذكر أن مائير داغان، رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق، أعلن الشهر الماضي أن الهجوم على إيران سيكون «عملا أحمق»، وأشار إلى أن أكثر ما يقلقه لا إيران في حد ذاتها بل شكوكه تجاه إمكانية قيام نتنياهو بمغامرة خطرة.

طفت مخاوف داغان هذه على السطح، في خلاصة لمقال سيمور هيرش في صحيفة «نيويوركر» الشهر الحالي، والتي نقلها من مقابلة معه «لا توجد أدلة قوية على أن إيران تقوم بأي شيء لصنع سلاح نووي». ويكشف تقريره عن أن تقييم الاستخبارات الوطنية الأميركي في عام 2007، الذي خلص بثقة كبيرة إلى أن إيران أوقفت برامج الأسلحة النووية في عام 2003، لا يزال يتوافق إلى حد كبير مع التقييم الاستخباري السري لعام 2011. وكما أوضح مسؤول استخباراتي بارز لهيرش لا يوجد جديد يمكن أن يؤدي إلى القنبلة.

وبعبارة أخرى فإن إيران، غير القادرة على إنتاج كيلووات من الكهرباء عبر مفاعل بوشهر النووي على الرغم من عشرات السنين التي بذلت، لا تزال تراعي عددا من الحسابات السياسية القديمة.

تذكروا أن علي خامنئي المرشد الأعلى هو حامي الثورة، وهذا مهمة محافظة، وأي انفلات يحدث - ناهيك عن انتاج قنبلة – أكثر مما تسمح به الجمهورية الإسلامية وتعهدت بالمحافظة عليه. وربما كان الأفضل كثيرا بالنسبة لها الحصول على يورانيوم منخفض التخصيب – بعيدا عن مستوى انتاج الأسلحة - تحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسماح للإشاعات الأخرى بالانتشار.

ولذا فإن إيران، التي ظلت على قمة الأجندة الأميركية منذ فترة طويلة، تراجعت، وحل محلها بصورة مؤقتة الربيع العربي. وربما يعود ذلك في جزء منه إلى أنك لا تستطيع الاستمرار على ترديد الأقاويل ذاتها. وبدأ الأفراد في تذكر ضرورة التوقف، على الرغم من أن أحدا في مدرسة إيران النووية والخطر الداهم الحالي لم تطرأ فكرة التوقف على ذهنه.

ينبغي عليهم ذلك. فهوس الفزاعة النووية ألهاهم عن الحاجة إلى محاولة تيسير العلاقة مع إيران، وأن يروا إيران كما هي. وكل الجهود الواهية التي بذلت لم تتمكن من اختبار وسائل جديدة.

هذه الوسائل مرتبكة، فالجمهورية الإسلامية لم تتعاف بعد من الاضطرابات التي وقعت فيها في عام 2009. فهي مريضة ويقوضها النفاق، وهي تهلل لبعض الشجعان العرب (لكن ليس الذين في سوريا)، في الوقت الذي تستعمل فيه الوسائل الوحشية لقمع معارضيها الساعين إلى الحرية التي وعدتهم بها ثورة 1979. لكن العرب لا يصدقون هذا النفاق الإيراني. فافتقاد قيادة قوة الحرس الثوري الإيراني والمعارضة إلى هدف مشترك هو ما ينقذ النظام الإيراني.

الأزمة التي نشبت بين خامنئي ومحمود أحمدي نجاد دفعت الأخير إلى اعتزال العمل 11 يوما، مما أثار غضب الجميع. ويجري البرلماني الإيراني تحقيقا مع أحمدي نجاد بتهم تتعلق بالاحتيال تشمل شراء الأصوات في عام 2009، وتعرضه للانتقادات ثلاث مرات خلال كلمته التي ألقاها خلال الاحتفال بذكرى وفاة الخميني، وتحولت إيران في الوقت الحالي إلى ما وصفته فريدة فارحي، من جامعة أوهايو بـ«فوضى إدارية».وهذا لا يصنع القنبلة الذرية. وعندما نتذكر إيران - ويجب أن نذكرها - يجب أن نتذكر مروجي المخاوف.

* خدمة «نيويورك تايمز»