الحكومة اللبنانية: للخروج من الأزمة أم لتفجيرها؟

TT

هل كان الرئيس الميقاتي بحاجة إلى 5 أشهر ليؤلف حكومته على الشكل الذي تألفت عليه؟! وهل كان لا بد من تدخل «الطبيب السوري» لتسهيل ولادتها؟! وهل قيام حكومة يسيطر عليها فريق 8 آذار، الموالي لسوريا وإيران والرافض للقرارات الدولية، وفي هذا الوقت بالذات، ونعني ما يحدث في سوريا، يشكل خطوة نحو استقرار لبنان ويسهل تحقيق الإصلاح وبناء الدولة الحديثة والقادرة فيه؟!

رد الرئيسين سليمان وميقاتي وفريق 8 آذار على هذه الأسئلة معروف وخلاصته: أن فريق 14 آذار هو الذي أعلن رفضه مشاركة فريق 8 آذار في الحكومة، وبالتالي استبعد تأليف حكومة ائتلافية تمثل كل الأفرقاء، كما أرادا. أو أعلنا. أما تأليف حكومة تكنوقراط فكان مرفوضا من الأكثرية النيابية الجديدة وبالتالي مرشحا لعدم نيل الثقة في المجلس. ثم إن مطابقة مطالب أحزاب وقوى 8 آذار، الجشعة مع أصول تأليف الحكومات ولا سيما التوازنات الطائفية والمناطقية والحزبية، لم يسهل على الرئيسين سليمان وميقاتي عملهما. أضف إلى ذلك ضرورة مراعاة التوازنات بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة في لبنان وعليه. دون أن ننسى أصوات القطاع الاقتصادي واللبنانيين عموما المطالبة بتأليف حكومة «كيف ما كان»، كي لا يتعرض الاقتصاد ومصالح العباد للخطر وتشل الإدارات والمؤسسات العامة، أكثر مما هي مشلولة.

هل قيام الحكومة الجديدة من شأنه إخراج لبنان من المحنة السياسية التي يتخبط فيها منذ خمس سنوات ونيف؟ أم أنها مقدمة لزج لبنان في نفق أشد ظلمة وأوفر مشكلات؟

المشكلة الأولى التي ستواجهها الحكومة الجديدة هي موقفها من المحكمة الدولية. ولا ندري كيف سيتمكن رئيس الحكومة من إرضاء حزب الله المطالب بإسقاط المحكمة وعدم التعاون معها، وبين إصرار الدول الكبرى (بما فيها روسيا والصين) على تأدية المحكمة لدورها؟ بالإضافة إلى تمسك أكثرية اللبنانيين بها؟ كما لا ندري كيف ستعالج الحكومة مسألة سلاح حزب الله، وهو الموضوع الخلافي الكبير الثاني بين الفريقين السياسيين المتنازعين في لبنان؟ ثم إن هناك مشكلة جديدة وكبيرة ألا وهي موقف الحكومة مما يجري في سوريا، ولا نقصد الموقف الرسمي الذي شعاره «عدم التدخل»، بل الموقف الفعلي من المعركة الناشبة بين النظام الحاكم والمنتفضين عليه؟ فقد تجد هذه الحكومة نفسها جد محرجة إذا استمرت الانتفاضات الشعبية في سوريا واستمر النظام الحاكم في قمعها بالقوة.

ثمة مشكلة كبيرة أخرى سوف تتعرض لها الحكومة الجديدة وهي خطة الجنرال عون الانتقامية من قوى 14 آذار، وانعكاسات طموحاته الرئاسية - ومخططاته الانتخابية - على التعيينات في الوظائف الإدارية والأمنية الكبيرة، التي من شأنها أن تنقل الحكم والإدارة الفعلية للبلاد من يد فريق 14 آذار إلى يد فريق 8 آذار، وما لذلك من إخلال في تطبيق اتفاق الطائف، والتوازنات الطائفية والسياسية في لبنان. بل على مصالح لبنان الاستراتيجية.

إلا أن المجابهة الأخطر التي تتعرض لها الحكومة فهي مع المجتمع الدولي وبنوع خاص الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، التي أعلنت أن «موقفها من الحكومة اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله وحلفاؤه، مرهون بالسياسة التي سوف تتبعها، ولا سيما في ما يتعلق بالقرارات الدولية». ولسنا نرى كيف ستستطيع هذه الحكومة المؤلفة من حلفاء سوريا وإيران في لبنان، التوفيق بين مصالح دمشق - طهران ومصالح الدول الكبرى؟ ولا كيف سيتحمل لبنان معاقبة المجتمع الدولي - ولا سيما الولايات المتحدة - له، مصرفيا. وتراجع الاستثمار والسياحة العربية والأجنبية فيه. وهذه الثلاثة تشكل ثلثي مداخيله؟!

خلاصة القول هو أن هذه الحكومة، شكلا وأساسا، ليست الحكومة التي انتظر اللبنانيون خمسة أشهر ولادتها. بل إن «الانقلاب السياسي» الذي حققته قوى 8 آذار، على الأكثرية السابقة بسحب «نواب طرابلس السنة والنواب الجنبلاطيين» منها، أكسبها معركة تأليف الحكومة ولكنه لم يكسبها الحرب السياسية والوطنية الناشبة في لبنان منذ ست سنوات. بل إنه دفع بلبنان، وبقوة، في طريق مجهول المآل. لا نراه ملتقيا مع الطريق الذي تندفع فيه الشعوب العربية، ولا ذلك الذي يوفر الاستقرار والوئام ويعزز الوحدة الوطنية في لبنان.