كلنا بحاجة إلى حلف شمال الأطلسي

TT

بروكسل – هل فقد حلف شمال الأطلسي جدواه ولم يعد ضروريا؟ كان هذا هو السؤال الذي أثاره الصحافي والمؤرخ البريطاني جيفري ويتكروفت في مقال رأي نشر يوم الخميس الماضي (في «نيويورك تايمز»)، تعليقا على خطاب روبرت غيتس في بروكسل الأسبوع الماضي، والذي قام فيه وزير الدفاع الأميركي - الذي أعلن نيته ترك منصبه - باتهام أعضاء آخرين من الحلف بعدم سحب ثقلهم المالي والسياسي. وانضم إلى المناقشة إيفو دالدر، ممثل الولايات المتحدة الدائم في حلف شمال الأطلسي.

«من الذي يحتاج حلف شمال الأطلسي؟» كان هذا هو السؤال الذي وجهه جيفري ويتكروفت. إنه سؤال جيد والجواب بسيط وهو: كلنا بحاجة إليه.

يعد حلف شمال الأطلسي، كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، هو «التحالف الأكثر نجاحا في تاريخ البشرية». فخلال السنوات الأربعين الأولى له، نجح في إنهاء الحرب الباردة. وخلال العشرين عاما التي تليها، نجح في تحقيق سلام أوروبي دائم، من خلال جهود يأتي من بينها الترحيب بـ12 عضوا جديدا من خلال عملية التوسع التي يسخر منها ويتكروفت. واليوم، وكما أعلن قادته الثمانية والعشرون في لشبونة، «لا يزال التحالف يشكل مصدرا أساسيا للاستقرار في عالم لا يمكن التنبؤ بما سيحدث فيه».

ويشارك اليوم أكثر من 150000 جندي في 6 عمليات للحلف في 3 قارات مختلفة.

وفي أفغانستان، تساهم القوة التي يقودها حلف شمال الأطلسي - والمؤلفة من قوات من 48 دولة - في توطيد الأمن حتى لا يتم تهديد أي منا مرة أخرى من قبل الإرهابيين الذين تدربوا في أماكن آمنة في هذه الدولة التي مزقتها الحرب. وفي ليبيا، أخذ 17 حليفا ودولة شريكة على عاتقهم مسؤولية جديدة ممثلة في مساعدة الشعب الليبي في تقرير مصيره من خلال هذه العملية التي تمنع التدفق غير المشروع للأسلحة عن طريق الجو والبحر وتفرض منطقة حظر طيران وتحمي المدنيين في ليبيا من الهجمات التي يشنها نظام معمر القذافي الوحشي.

وفي الوقت نفسه، يتصدي الحلف لآفة القرصنة قبالة سواحل أفريقيا ويقوم بأنشطة لمكافحة الإرهاب في البحر الأبيض المتوسط، كما يقوم الحلف بتدريب قوات الأمن العراقية، ولا يزال مستمرا في التزامه طويل الأمد بتحقيق الاستقرار في منطقة البلقان.

إن حلف شمال الأطلسي اليوم هو ذلك الحلف المشغول الآن أكثر من أي وقت مضى، وهو الحلف الذي يعمل الآن مع عدد أكبر من الشركاء والذي أصبح الكثير من الناس بحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى.

والأسباب واضحة لهذه الحاجة، حيث إننا نعيش وسط تحديات معقدة وغير متوقعة وتهديدات أمنية كبيرة. في هذا العالم، أصبح كل ما هو محلي عالميا، وأصبحت الهجمات الإلكترونية قادرة على عبور المناطق الزمنية في أجزاء من الثانية، معطلة العمليات المصرفية والأنشطة الحكومية وحتى الألعاب الخاصة بمن هم في سن المراهقة. وانتشرت أسلحة الدمار الشامل ووسائل صنعها وتسليمها على نطاق واسع وبعيد، كما أدى عدم الاستقرار في بلدان بعيدة إلى تمكين الجماعات الإرهابية من إيجاد ملاذ آمن وشن هجماتها بالقرب من أرض الوطن.

في عالم كهذا، فإننا بحاجة إلى تحالفات وشراكات قوية، وليس هناك ما هو أقوى وأكثر ضرورية من حلف شمال الأطلسي اليوم. وهذا هو السبب في أنه قد أصبح من المهم جدا لجميع أعضاء الحلف أن يستثمروا ويمتلكوا القدرات الدفاعية اللازمة لتلبية مسؤولياتنا الجماعية. وكما قال غيتس خلال زيارته لبروكسل الأسبوع الماضي، ينبغي أن يشمل ذلك بذل جهود جادة لحماية ميزانيات الدفاع وتنسيق القرارات المتعلقة بالمشتريات والاستمرار في الوفاء بالتزاماتنا تجاه حلف شمال الأطلسي وتجاه بعضنا البعض.

وبالعودة إلى السؤال الذي طرحه ويتكروفت، أقول إننا جميعا لا نزال بحاجة إلى حلف شمال الأطلسي رغم انتهاء الحرب الباردة. عليك فقط بتوجيه هذا السؤال لمواطني ليبيا وأفغانستان وشعوب أوروبا وأميركا الشمالية، الذين يعتمدون، من بين مئات الملايين الآخرين، على حلف شمال الأطلسي لتأمين حاضر يعمه السلام ومستقبل أفضل.

* خدمة «نيويورك تايمز»