تجار النظام ونظام التجار

TT

إلى قبل أسابيع لم يكن رامي مخلوف شخصية معروفة إعلاميا خارج بلده، فشخصيات سوريا المعروفة سياسية أو عسكرية أو ثقافية. مخلوف أحد رجال الأعمال الجدد، ومن أقارب الرئيس، وصار اسما تلوكه الألسن عند انتقاد النظام. وفاجأنا عندما عقد مؤتمرا صحافيا مرتبكا أذاع فيه تبرعه بأمواله للعمل الخيري. لكنه لم يفصح كم هي أمواله، ولم يوضح بكم تبرع، ثم ناقض نفسه حيث افتتح كلمته معلنا أنه تبرع بها، ثم قال إنه سيطرحها للاكتتاب، وزاد الأمر غموضا عندما أضاف أنه سيوزع فقط أرباح شركاته السنوية على الفقراء. وعلى الرغم من هذا الغموض، فإنه بات من الواضح أن القيادة السورية المحاصرة قررت التخلص من مخلوف بعد أن صار رمز الفساد. وبقي عليها أن تتخلص من رمز القمع، ماهر الأسد.

ومخلوف جزء من ظاهرة طرأت حديثا، أنظمة الحكم صارت تتجه للتجارة بعد أن كانت تتحالف مع التجار. ومع أن المال والعسكر ركنان في قوة أي نظام، فإن أيا منهما لا يضفي الشرعية بذاته ولا يضمن ديمومة الحكم. وخطأ تجار الأنظمة الحديثة أنهم قرأوا خطأ معادلة قوة المال، حيث تحول الوضع من وجود تجار للنظام، إلى نظام تجار. فسوريا عرفت بأهمية بيوتها التجارية، وكان من عوامل استقرار نظام حافظ الأسد تحالفه الوثيق مع تجار دمشق. وبعد رحيل الأب وتولي بشار الحكم، صار النظام نفسه يمارس العمل التجاري، وأصبح في داخله رجال أعمال مثل رامي مخلوف. ويشابهه الوضع في مصر مبارك، مع بروز جمال مبارك، الابن الذي أيضا خلط بين المال والسياسة. فقد اكتظ القصر والحزب الحاكم بعدد من رجال الأعمال الذين دخلوا السياسة، ورجال الدولة الذين صاروا رجال أعمال. وتبوأ تاجر الحديد أحمد عز أهم منصب في الحزب الوطني الحاكم. وفي تونس صارت عائلة زوجة الرئيس (الطرابلسي) فجأة عائلة تجار تملك معظم شركات البلد. وهو ما حدث في ليبيا بدخول أبناء القذافي على خط التجارة. وبعد أن صار هناك أثرياء يتمنون أن يصبحوا حكاما، صار الحكام يريدون أن يصبحوا أثرياء.

صارت الأضحوكة في العالم أنه إذا أردت أن تكون بليونيرا لا تحتاج أن تكون مثابرا مبدعا مثل بيل غيتس، تمضي كل عمرك تكد في السوق، يكفي أن تستولي على الحكم في العالم العربي، وفي غمضة عين تصبح ثريا. وبسبب الانهيارات والاضطرابات هناك أخبار حول أثرياء الحكم في الأنظمة المضطربة، مثل اليمن وسوريا وتونس، يقومون بغسل أموال ضخمة، يتنازلون فيها عن نحو نصف ثرواتهم لمن يساعدهم على إخراجها وتبييضها. وكان بإمكانهم في الماضي إنفاقها في الداخل وإطالة عمر النظام.

حتى في إيران حيث يوجد صراع مستحكم بين أطراف النظام قرر الحرس الثوري تهميش قوى البازار (التجار التقليديين) وصار يملك أكثر من ثلاثين في المائة من شركات السوق، من نفطية وخدمية وزراعية وصناعية.

وثقوا أنه عندما يختلط الحكم بالتجارة تبلغ السطوة أقصاها، ويصبح الاصطدام بالناس محتما. وهذا من أسباب الحملة في إيطاليا ضد رئيس الوزراء برلسكوني. الفارق أن الناس في إيطاليا تستطيع إسقاطه عندما لا تكون راضية عليه، إنما في الدول الشمولية المعادلة مختلفة، فالذي يتاجر بالخبز يمسك بالسلاح أيضا.

[email protected]