التصحيح باب الإصلاح

TT

أتيت في مقالتي السابقة على ذكر جذور كرهنا للغرب بما يتجاوز الاختلاف الديني وفكرة المسلمين ضد الصليبيين. هذا مجرد مظهر لنزاع أكبر وأقدم كما بينت. بيد أننا الآن عرضنا أنفسنا لمصائب وخسائر جسيمة بسبب هذا الكره والعداء. علينا وعلى العالم كله أن يعترف بأفضال الغربيين على البشرية. كل هذه الاكتشافات وعلى رأسها الاكتشافات الطبية، وكل هذه المخترعات وعلى رأسها وسائط النقل والاتصالات من التلغراف إلى الإنترنت تعود لهم. ولهم يعود الفضل في إلغاء تجارة الرقيق وقهر الأمراض الوبائية وإقامة مبدأ حقوق الإنسان وتقرير المصير وتأسيس الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية. ليس لنا أي دور في ذلك. وحتى عندما تعرض مسلمو البوسنة للإبادة كانت الدول الغربية هي التي خفت لحمايتهم. لم تتقدم أي دولة مسلمة لإنقاذهم. وجعلت المجموعة الأوروبية تسليم كل المسؤولين الصرب عن إبادة المسلمين لتقديمهم للمحاكمة، شرطا لقبول صربيا عضوا في المجموعة.

كثيرا ما ننظر للعالم بمنظار أسود. ولكن البشرية لم تعرف عصر رخاء وخيرات كما عرفته اليوم. يتجلى ذلك بازدياد السكان في كل الدول (وهو مقياس روسو لتقييم المدنية والتقدم) وتسعى الدول الغربية الآن سعيا حثيثا لخفض نسبة الفقر والمرض وموت الأطفال ورفع معدلات عمر الإنسان. وحيثما ظهر وباء في مكان ما أسرع أطباؤهم وخبراؤهم لاحتواء المرض. يقال مثل ذلك عن المجاعات التي تجتاح بعض المناطق. توجد الآن فروع خاصة في كل جامعاتهم لدراسة تنمية الشعوب الفقيرة وحل مشكلاتها.

بالطبع ما أنا بجاهل عما سببه الغربيون من مشكلات ومآس عالمية، ولكننا عندما نجري الحساب ونجمع ونطرح نصل إلى نتيجة أن العالم مدين لهم عن كل هذه الخيرات التي تواجهنا حتى في أحقر دكان من سوق قديمة.

إننا نعيش في عالم واحد. نحتاج إليهم مثلما يحتاجون لمواردنا. لا مجال هناك للغرور والتجبر. هذا ما وقع به ثوار ليبيا. رفضوا مساعدة الغرب أولا وقالوا نحن نعتمد على أنفسنا ولا نريد تدخلا أجنبيا. انظروا الآن لما يجري على صفحة الواقع. وهو ما مر به العراقيون أيضا. تمادى عبد الناصر بمشاعر العروبة ومعاداة الغرب ثم أسرع يتوسل بهم لاستعادة سيناء من الإسرائيليين. لا مجال الآن لهذا الغرور والتجبر. نحن شعوب ضعيفة وعاجزة عن إصلاح أحوالها، بل وحتى عن معرفة علتها وسر تأخرها والاعتراف بعيوبها. ومن يضع إصبعه على أسرار التأخر يقتل. كان لنا حليف في الاتحاد السوفياتي. ولكن هذا الحليف قد زال الآن. لم يبق أمامنا غير الانفتاح نحو الغرب والاستماع إليهم.

علينا الاقتداء بما فعلته إسرائيل. فكل هذه القوة والنعمة التي ترفل فيها نتجت عن تعاونها مع الغرب وتحاورها وتجاوبها معهم. ذكرت في مقالة سابقة كيف نفض الغربيون أيديهم منا واتخذونا كمجرد بقرة حلابة للنفط. تاريخنا معهم سلسلة من الفرص والخيبات. ويا ليتنا لا نضيف إليها ولأوباما خيبة جديدة.