عم نبحث وعم يبحثون؟

TT

أعادت تركيا انتخاب رجب طيب أردوغان، فيما لم تقرر مصر بعد إن كان من الأفضل إجراء الانتخابات في موعدها أم تأجيلها، ولا تزال تونس تبحث عن رئيس، واليمن عليه رئيس لكنه يبحث عن رئيس آخر، وفي سوريا يعلن رامي مخلوف خروجه من طريق النظام، متأخرا ثلاثة أشهر. وفي السودان ينتقل الخوف والموت من ولاية إلى ولاية، ولا أمل سوى أن الرئيس لن يطلب ولاية أخرى، منة على الناس وهدية لهم.

ترى الأمة العربية هيكلا هشا بين أمتين عائدتين ومعهما مشاعر وتصرفات الإمبراطوريات القديمة: الفرس والعثمانيين. أردوغان يحاول أن يملي على سوريا ما يجب أن تفعل، ومحمود أحمدي نجاد، ما يجب ألا تفعل. واحد يدعمها في استعادة الأرض المحتلة بالمفاوضات وواحد يحذرها، واحد يريد العراق من الشمال وواحد من الجنوب. يتصارعان، «حبيا»، على حلبة واحدة، فيدمى العرب من تضارب اللكمات.

قبل عشرين عاما كان صاحب أنقرة يرفض تذكر العرب. أهل مشكلات وعقد. وكان صاحب طهران يقول إذا لم يكن اليوم فمتى؟ وجسر الشغور هي الموقعة الأولى. فالحرب الحقيقية ليست بين الأمن السوري والمعارضة، بل بين أنقرة وطهران. واحدة تقول لدمشق كل يوم أن لا حل إلا بالإصلاح، وواحدة ترى في كل إصلاح هزيمة وخسارة.

في تونس ومصر واليمن والبحرين، كان لأميركا رأي أساسي. في سوريا الدور الأميركي يتراجع أمام الاندفاع التركي الذي لا سابقة له منذ 1918 وأمام الاندفاع الإيراني الذي بلغ ذروته، منذ قيام التحالف الإيراني السوري عام 1978. المعركة الكبرى على سوريا، وليست فيها. وقد تفرق جميع الأصدقاء من حول دمشق مرة واحدة: تركيا وساركوزي وقطر. وظل عراق المالكي نائيا، وتملصت حماس فتغيرت كل أوراق المنطقة. ولم يبق لسوريا سوى لبنان الهش وغير المقنع، والمكتظ بلاعبي «الجمباز» السياسي.

لقد عادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل الود المثير والاستراتيجي، الذي قام بين شابين، في دمشق وأنقرة، نفضا عنهما كل ذكريات وتعقيدات التاريخ القديم. الآن يلجأ الهاربون من جسر الشغور إلى «هاتاي» وليس إلى الإسكندرون، «الإقليم السليب» الذي لا يزال يتحدث العربية بطلاقة وحنين. لم يعد أحد يلفظ اسم الإسكندرون، خافتا أو عاليا. لكن كل الود انقلب إلى تباعد علني. تركيا تخاف على موقعها في دمشق وعلى سمعتها في الغرب في وقت واحد، وإيران تخاف أي تغير عند الحليف الذي مكنها من ربط أصفهان بالمتوسط.