رؤية أردوغان

TT

كلما أقرأ كلمات أردوغان أو أسمع الخطب التي يلقيها، أعتقد أن أردوغان رجل صاحب رؤية في المقام الأول. على سبيل المثال، في خطابه بعد الانتخابات، حينما احتشد كثيرون من أنصاره أمام مقر حزب العدالة والتنمية التركي، كان فرصة ذهبية بالنسبة إلى أردوغان للتعبير عن آرائه ورؤيته: «سنتقبل الجميع، سواء من أيدوا حزب العدالة والتنمية أو من لم يؤيدوه».

قال أردوغان: «لقد انتصرت إرادة الشعب»، مضيفا أن «اللاشرعية وحكم أصحاب الامتيازات لم يعودا ساريين الآن. وباتت تركيا المليئة بالعصابات ماضيا قد ولى بقرار الشعب التركي».

قال أردوغان: «إن حزب العدالة والتنمية لا يميز بين أفراد الشعب وسيستمر في هذا النهج، فنحن منوطون بالحفاظ على أساليب حياة ومعتقدات وقيم شعب مؤلف من 74 مليون نسمة».

وأشار رئيس الوزراء التركي إلى أنه سيتسع نطاق الحريات، مضيفا أنه سيصبح بإمكان كل شخص التعبير عن نفسه بصورة أفضل. وقال: «لقد زادت مسؤوليتنا».

وركز أردوغان بشكل خاص على دور تركيا الإقليمي، محتفيا بشعوب دول أخرى بينها العراق وسوريا ولبنان وتونس ومصر.. «لقد منحنا أيضا سلطة وضع الدستور الجديد. لقد منحنا فرصة وضعه بإجماع الآراء. ونحن نعتبر وعودنا بشأن مطامح التجمعات السياسية ملهمة. سنغلق أبوابنا فقط لأن لدينا 330 نائبا.

أقول إنه إذا وافق حزب المعارضة الرئيسي وأحزاب المعارضة الأخرى، فسنجلس ونتجاذب أطراف الحديث وسنتحاور مع الأحزاب السياسية خارج البرلمان والمنظمات والجمعيات غير الحكومية.

سنصوغ دستورا ليبراليا معا. وسيضم هذا الدستور الشرق والغرب والشمال والجنوب. وسيوجه الدستور الجديد لكل فرد في تركيا. وفي الدستور الجديد، سيكون كل مواطن هو (الأول). سيركز الدستور على السلام. سيكون هذا الدستور هو دستور الأكراد والتركمان والعلويين وجميع الأقليات، أي شعب تركيا بأكمله البالغ 74 مليون نسمة. وسيهدف الدستور إلى إرساء قيم الإخاء والمشاركة والوحدة والتضامن».

وبعد استكمال خطابه داخل مقر الحزب فيما بعد، عاد أردوغان إلى الساحة ليتغنى بأغنية حزب العدالة والتنمية خلال الحملة الانتخابية (مرة أخرى) مع أنصار حزبه.

يتجه حزب العدالة والتنمية التركي إلى الفوز الانتخابي الثالث على التوالي في 12 يونيو (حزيران)، ويبدأ الحزب يعاني أوهام العظمة، حيث يركز البرنامج الانتخابي للحزب ليس على المستقبل القريب، ولكن على عام 2023، وهي الذكرى المئوية للجمهورية التركية، وكأنه واثق من البقاء في السلطة على مدار 12 عاما مقبلة.

وعند عقد مقارنة بين أردوغان والحكومة الحالية داخل إيران، أو حتى الحكومة السورية، يجعلني ذلك أعتقد أنه من ناحية الرؤية، يوجد على جانب زعيم له رؤية رائعة، وعلى الجانب الآخر، لا يفكر الزعيمان الآخران سوى في اللحظة الراهنة.

لقد نجح أردوغان في عمل حداثة في الاقتصاد مع الالتزام بالنهج المحافظ في السياسة. وعلى مدار العقد الماضي، أحدث تغييرات كاملة في الاقتصاد التركي. كانت تركيا تغرق في الكثير من الأزمات حينها. وفي مقابل أن معدلات التضخم كانت تبلغ أكثر من 30 في المائة، نجدها في الوقت الحالي تبلغ أقل من 4 في المائة. وكانت قيمة الليرة التركية منخفضة آنذاك، ولذا أجرى بعض التغيرات. ونتيجة لذلك، نجد أن الليرة التركية في الوقت الحالي من أقيم العملات في العالم. ويمكننا النظر إلى المعلومات التالية:

- نمو الناتج المحلي الإجمالي داخل تركيا: 8.9 في المائة.

- معدلات التضخم: 3.99 في المائة.

- نمو الناتج المحلي الإجمالي داخل إيران: 3 في المائة.

- التضخم: 11.8 في المائة.

وأتذكر عندما كان تورغوت أوزال يزور إيران كرئيس لوزراء تركيا، وكنت نائبا لرئيس الوزراء الإيراني مير حسين موسوي. سألته: هل تشعر بقلق إزاء الثورة الإسلامية في إيران؟ وكنت أعني الأثر المحتمل أو الانطباع بخصوص الثورة الإسلامية داخل تركيا. ابتسم أوزال وقال لي: «أريد أولا أن أطلعك على صورة لوالدي». وبعد ذلك عرض علي صورة والده. وكانت صورة رجل كبير السن له لحية بيضاء ويرتدي عمامة خضراء. وقال أوزال: كان رجلا متدينا. لقد نشأت داخل عائلة متدينة جدا، ولكن أريد أن أقول لك إن الدولة الإيرانية لا يجب أن تكون أسيرة الثورة، وإننا في تركيا نحاول التخلص من الميثاق الوطني. ثانيا، فكما تعرف هناك عمليات تهريب مستمرة للبضائع بين إيران وتركيا. يهرب البنزين والماعز والسفن إلى تركيا من إيران، فيما تستقبل إيران أدوية وكريستالا من تركيا. لماذا لا تشعر بالقلق على تركيا؟! كانت هذه المحادثة قبل 23 عاما، وعندما أستذكر كلمات تورغوت أوزال، في الوقت نفسه أنظر إلى الوضع الراهن للاقتصاد داخل تركيا، يجعلني أعتقد أنه من دون شك، فإن تركيا تتحرك في الاتجاه الصحيح. ينظر أردوغان إلى عام 2023. ويعد خط السكة الحديدية السريع من رموز التنمية داخل تركيا. بدأت هيئة السكة الحديدية الحكومية التركية شبكة الخطوط السريعة عام 2003، وكان الجزء الأول من الخط بين أنقرة وإسكسهير. وتخطط تركيا إلى إنشاء شبكة من الخطوط السريعة خلال الجزء الأول من القرن الحادي والعشرين، وتستهدف شبكة تمتد لـ1500 كيلومتر من خطوط القطارات السريعة بحلول 2013، وشبكة تمتد لـ4000 كيلومتر بحلول عام 2023.

ويبدو بالنسبة إليّ أن تركيا نجحت في كسر أسوار سجن الميثاق الوطني، ونتيجة لذلك يمكن أن نرى حاليا نهضة الدولة. وعلى الجانب الآخر، نجد أن أسوار الثورة والراديكالية الإسلامية تقوى داخل إيران. في تركيا، لا يوجد حتى من يحلم بالعودة إلى حقبة الإمبراطورية العثمانية.

وببساطة تعد هذه قضية رؤى، حيث تحاول تركيا تقليل دور الجيش في الشؤون السياسية، وعلى الجانب الآخر نجد أنه داخل إيران تحتكر القوات المسلحة البلاد بشكل كامل.

والنتيجة واضحة جدا، فاعتمادا على رؤية أردوغان، تحقق تركيا العدالة والتنمية ويعرضون وجها مقبولا وجميلا للإسلام. وتعد تركيا في الوقت الحالي أفضل نموذج لتوضيح أن الإسلام ينسجم مع الديمقراطية والحرية والرخاء.

وبالاستناد إلى رؤية أردوغان، نجد أن الانتخابات داخل تركيا حرة ونزيهة بشكل حقيقي، وهي مرآة التعددية التركية. وعلى النقيض، فإن الانتخابات داخل إيران ليست حرة ولا نزيهة، وبسبب ذلك، فإن معظم الإيرانيين لا يعتبرون أحمدي نجاد رئيسا لهم. لقد درست بعض الصحف التركية، وقرأت الكثير من الآراء، ولا يوجد مقال يزعم أن الانتخابات ليست حرة ولا نزيهة. وهذا هو الإنجاز العظيم للديمقراطية والتنمية.