«الربيع العربي» والصيف الكردي

TT

إسطنبول (تركيا) - غالبا ما تقدم تركيا صورتها للعالم باعتبارها نموذجا لنظام ديمقراطي مسلم، لكنها في واقع الأمر تحرم قرابة 20 في المائة من سكانها من حقوقهم الديمقراطية الأساسية. كان رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، قد أعيد انتخابه، الأحد، بفارق أصوات كبير، ويواجه الآن تحديا داخليا كبيرا. رغم النمو الاقتصادي الباهر الذي حققته تركيا والمكانة الدولية المتنامية التي حظيت بها خلال سنوات حكم أردوغان الـ8، فإن حكومته تجاهلت أهم وأخطر القضايا السياسية: الأقلية الكردية الخاضعة للقمع داخل تركيا. يناضل الأكراد من أجل الحرية والحكم الذاتي في تركيا منذ عقود؛ غالبا في وجه قمع قوي من جانب الدولة. ولن نقبل بعد الآن بالأمر الواقع. إننا بحاجة إلى حريات ديمقراطية، والحق في الحديث بلغتنا داخل مدارسنا ومساجدنا، إضافة لقدر أكبر من الاستقلال السياسي الذاتي داخل المناطق التي تقطنها غالبية كردية.

منذ تولي حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان السلطة عام 2002، عمقت تركيا روابطها الدبلوماسية والاقتصادية مع مختلف حكومات الشرق الأوسط، وخلقت تصريحات أردوغان المنددة بإسرائيل شعبية كبيرة له في المنطقة. وفي الوقت الذي أعرب رئيس الوزراء مرارا عن حزنه تجاه القتلى من الأطفال الفلسطينيين، لم يأبه كثيرا لذكر الأطفال الأكراد الذين تراق دماؤهم على أيدي قوات الجيش والشرطة في تركيا.

الأسبوع الماضي، مع فرار اللاجئين السوريين عبر الحدود إلى داخل تركيا، ندد أردوغان بالحملة العنيفة التي شنتها الحكومة السورية ضد المتظاهرين، لكنه أغفل ذكر استخدام الحكومة التركية للغازات المسيلة للدموع والرصاص وخراطيم المياه في تفريق المتظاهرين الأكراد في أبريل (نيسان). وحتى يرتب أردوغان بيته من الداخل، فعليه الامتناع عن انتقاد جيرانه.

في الحقيقة، يتعذر على الحركات المؤيدة للديمقراطية في مصر أو سوريا أو ليبيا منح الثقة للحكومة التركية في وقت تهمل المعارضة لديها وتقمع المظاهرات وتحرم الشعب الكردي من مطالبه المشروعة. وبإمكان حكومة أردوغان اتباع أحد مسارين: إما أن تدرس هذه المطالب بجدية، وتدمج برلمانيين أكرادا في عملية وضع الدستور التركي الجديد، وتوفير ضمانات دستورية للحقوق الجماعية للشعب الكردي وقبول مطالبه بالاستقلال الذاتي بما يسمح بالحكم الذاتي ويحقق السلام، أو يمكنها الإصرار على سياسة القمع العنيف التي تتبعها حتى هذه اللحظة. حال اختيار المسار الثاني، يمكن أن تتورط تركيا في حقبة من الصراع العميق أكثر من أي وقت مضى. وللأسف، يوحي تعليق أردوغان مؤخرا بأنه كان سيشنق عبد الله أوجلان، الزعيم الوطني الكردي المسجون، لو كان في السلطة وقت إلقاء القبض عليه عام 1999، بأنه يميل نحو المسار الثاني. إلا أن الحال لم يكن دائما كذلك. في خطاب ألقاه عام 2005 في ديار بكر، أعلن أردوغان أن «المشكلة الكردية هي مشكلتي». وبدا حينها أنه أقر بفشل السياسة الأمنية الصارمة التي اتبعتها أنقرة، وعمد لاتخاذ سبيل جديد. وبدا هذا الإعلان خطوة على الطريق الصحيح، حيث طرح إمكانية التمتع بحقوق الحديث باللغة الكردية ومزيد من الاستقلال الذاتي والعفو عن المسلحين الأكراد المناوئين للحكومة.

بيد أنه سرعان ما اتضح عدم صدق أردوغان، فرغم موافقة الشعب التركي على التقارب الجديد مع الأكراد، لم يتخذ حزبه خطوات جادة نحو تسوية المشكلة الكردية. بل على العكس، صعد من عملياته العسكرية وحظر الحزب الكردي الأبرز، حزب المجتمع الديمقراطي، وألقى القبض على سياسيين أكراد، أنا واحدة منهم. (ألقي القبض علي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، ومكثت 9 أشهر خلف القضبان، حتى انتخبت عضوا في البرلمان وأنا في السجن، ونلت الحصانة في يوليو/ تموز 2007).

ومنذ ذلك الحين، تجاهلت الحكومة بصورة عامة المظالم التي يتعرض لها الأكراد. وتحت قناع من التقارب، استمرت في سياساتها القومية التقليدية القائمة على حرمان الأكراد من حقوقهم. وبدلا من تلبية مطالب الأكراد، يبدو أن «حزب العدالة والتنمية» يدفع البلاد الآن نحو مواجهة جديدة. وسيمثل انتخاب 39 عضوا في البرلمان موالين للأكراد أقوى حائط صد في مواجهة السياسة التدميرية للحزب الحاكم. وفي الوقت الذي تتناقش الكثير من الأحزاب السياسية حول صياغة دستور جديد، تبقى مسألة تسوية القضية الكردية فائقة الأهمية، وسيتطلب ذلك المشاركة النشطة من الأعضاء الأكراد في البرلمان. يجب وضع نهاية لأعمال الاعتقال والعمليات العسكرية غير المبررة، ويجب منح الأكراد الأتراك، بعد عقود من النضال، حق التعلم والعبادة بلغتنا وممارسة الحكم الذاتي في مدننا.

* عضو كردية في البرلمان التركي

* خدمة «نيويورك تايمز»