نهاية شهر العسل بين تركيا وإيران في انتظار سقوط الأسد

TT

يبدو أن شهر العسل بين تركيا وإيران قد وصل إلى نهايته بسبب أحداث سوريا. فبعد تقارب استمر سنوات عدة بين البلدين، عندما كانت تركيا تعارض معاقبة إيران بسبب نشاطها النووي، شعرت تركيا أن أمنها القومي صار مهددا بسبب التحالف السوري الإيراني. ومع عبور آلاف السوريين الهاربين من النظام السوري، من اعتداء وحشي عليهم بمساندة إيران، راحت تركيا تفكر في كيفية وضع حد لنزوح السوريين إلى أراضيها، الذي قد يصل إلى مئات الآلاف. وبينما تجد إيران أن من مصلحتها الدفاع عن نظام بشار الأسد، تقف تركيا إلى جانب الشعب السوري وحقه في الحرية. فقد اتصل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس السوري بشار الأسد عدة مرات لمناقشة الوضع في سوريا، غير أن الإدارة السورية لا تزال مصرة على استخدام أسلوبها القمعي في معاملة المواطنين.

اتهم رئيس الوزراء التركي النظام السوري بارتكاب الفظاعات ضد المواطنين، وقال لا يمكننا الاستمرار بدعم سوريا بينما لدينا أقارب هناك، ولا يمكن لتركيا الدفاع عن سوريا أمام المجتمع الدولي، بل ستكون مضطرة للقيام بمسؤولياتها تجاه هذا الموقف. وقال أردوغان إن الوضع في سوريا ليس كالوضع في ليبيا بالنسبة لتركيا، فهو أقرب ما يكون إلى وضع داخلي لبلاده، التي تمتد حدودها مع سوريا لأكثر من 800 كيلومتر. وعندما أرسل الأسد مبعوثه، حسن تركماني، إلى تركيا لاحتواء الموقف ومطالبة أردوغان بإغلاق الحدود التركية في وجه السوريين الهاربين، رفض أردوغان إغلاق الحدود وطالب بشار بالتوقف عن استخدام العنف وتحقيق المطالب الديمقراطية لشعبه. بل إن السلطات التركية قررت مساعدة الهاربين السوريين الذين لا يستطيعون عبور الحدود، وتقديم الطعام والشراب إليهم عبر حدودها. وهكذا تسبب التصعيد الذي يمارسه النظام السوري ضد المحتجين، في دفع العلاقات مع تركيا نحو نقطة اللاعودة، بعد فرار آلاف السوريين إلى الأراضي التركية، هربا من الحملة العنيفة التي تشنها قوات الأمن السورية. وأخذت العلاقات التركية السورية تشهد توترا ملحوظا مؤخرا، بلغت حد استضافة مدينة أنطاليا التركية مؤتمرا للمعارضة السورية.

وعلى الجانب الآخر، اتهم بعض السوريين تركيا بالتآمر مع الولايات المتحدة ضد بلادهم، وتحدثوا عن اعتقادهم بوجود خطة تركية - أميركية للتدخل عسكريا على الحدود الشمالية لسوريا، بدعوى حماية المواطنين. كما اتهمت طهران الولايات المتحدة بالتدخل في شؤون سوريا، وحذرت واشنطن من التدخل العسكري ضد نظام الأسد، وهدد رامين مهمان، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، من أن أي تدخل عسكري صريح من جانب الغرب يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على المنطقة. لكن الولايات المتحدة ليس لديها النية للتدخل العسكري المباشر في سوريا، وهي تعتقد أن تركيا هي الأقدر على لعب دور رئيسي في الأزمة السورية، بسبب حدودها المشتركة مع سوريا. وقد أكد الرئيس أوباما هذا الموقف عندما تحادث مع أردوغان لتهنئته بفوز حزبه في الانتخابات الأخيرة. كما قالت صحيفة «بوستا» إن تركيا تدرس احتمال إرسال قواتها إلى الأراضي السورية لإقامة منطقة عسكرية عازلة لحماية السوريين الهاربين من اعتداءات النظام.

أما بالنسبة لإيران فقد كان المرشد الأعلى، آية الله السيد علي خامنئي، يساند الثورات العربية التي اعتبرها انتفاضة ضد الحكام الظالمين المدعومين من الغرب، وكان يستخدم مصطلح «الصحوة الإسلامية» لوصف «الربيع العربي». ورحبت جمهورية إيران الإسلامية بالربيع العربي إلى أن وصل إلى سوريا، فتغير موقفها، حيث اعتبرت أن انطلاقة الشعب السوري ما هي إلا مؤامرة صهيونية لإسقاط حكومة الأسد بسبب معارضتها لإسرائيل والولايات المتحدة ومناصرتها لحزب الله. والسبب في ذلك أن سوريا تلعب دورا مهما بالنسبة لسياسة إيران يمكنها من التغلغل في البلدان العربية، خاصة عن طريق حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية. وإذا ما سقط نظام الأسد، فسوف تنكسر حلقة الوصل الرئيسية في السلسلة الاستراتيجية لإيران عبر المنطقة. ولم تقتصر طهران على شجب مظاهرات الاحتجاج السوري، بل تعاونت مع بشار الأسد في قمع المتظاهرين السوريين، وكشفت صحيفة «ديلي تلغراف» اللندنية عن وجود معلومات موثوق منها لدى الاستخبارات البريطانية، بأن طهران تقدم معدات مكافحة الشغب وتدريبات شبه عسكرية لقوات الأمن السورية، كما يقوم أعضاء من الحرس الثوري الإيراني بتقديم المشورة الفنية والمعدات للقوات الموالية للرئيس السوري، بينما يقوم أفراد من حزب الله اللبناني بالمشاركة في القتال إلى جانب قوات الأسد.

وعلى الرغم من أن القيادة السورية لا تزال تسيطر حتى الآن على الموقف في البلاد، فإن إصرارها على استخدام العنف لقمع المتظاهرين، بدلا من الاستجابة لمطالبهم في تحقيق الإصلاحات الديمقراطية، أدى إلى وصولها إلى نقطة اللاعودة، وهي تسير بخطى أكيدة نحو طريق يؤدي إلى سقوط النظام ولو بعد حين. وإدراكا منها لاحتمال سقوط النظام السوري، قامت إيران بانقلاب سياسي في لبنان، حتى تضمن قدرتها على الاتصال المباشر بحزب الله إذا ما تمكن الثوار في سوريا من إغلاق الممر السوري في وجهها. فبعد أربعة أشهر ونصف من تكليفه بتشكيل الوزارة اللبنانية، أعلن نجيب ميقاتي فجأة تشكيل حكومة جديدة من أعوان إيران وسوريا، مستبعدا باقي القوى اللبنانية عن السلطة. وعلى الرغم من أن بشار الأسد بارك الحكومة الجديدة بعد لحظات من تشكيلها، أملا في حماية حدوده الجنوبية، اعتبرتها قوى الرابع عشر من آذار صنيعة لحزب الله الذي يدين بالولاء لإيران. ومع استمرار نظام الأسد في قمع مواطنيه وعجزه عن حل مشكلاته بطريقة سلمية، فليس لنا أن نتوقع سوى نتيجة واحدة، سقوط النظام. عندئذ لن يسمح الثوار في سوريا لإيران بالسيطرة على بلادهم، وسوف تساعدهم تركيا على بناء نظام جديد يقوم على أساس من الحرية والديمقراطية، وهنا يبدأ العد التنازلي لحكومة حزب الله التي اغتصبت السلطة في لبنان.