شكة إبرة؟!

TT

كنت أصرخ وأبكي وأقول بصوت مذبوح: والله يا دكتور أعفني من حياتي كلها.. أعفني من مشاكلي وعذابي.. إنني أحمل الكثير على كتفي.. أرحني يا دكتور.. هذه فرصة انتظرتها طويلا.. اجعلني أنام هكذا يوما أو شهرا أو سنة.. أو اتركني أنام إلى الأبد.

وكنت أرفع رأسي والضوء يتدفق ساخنا كاويا.. فلا أرى إلا أربعة من الممرضين وإلا منضدة طويلة تلمع بالسكاكين والمشارط والمناشير وكل أدوات القتل والتعذيب.. وكنت أرى وجه الطبيب، إنه صديقي الدكتور.. إنني لم أعد أرى فيه وجه الصديق.. إنه وجه جاد.. قاس لا يعرفني ولا ينظر إلي.. ولا ينطق إلا بعبارة واحدة هي: يا أخي إنها شكة إبرة! شكة إبرة!!

وسقط رأسي من كتفي إلى المنضدة التي تمددت عليها وعدت أقول: أعطني حقنة بنج أخرى.. ماذا تفعل أيها الطبيب؟ أنت تنتزع أحد أظافري من أحد أصابعي.. ليس هذا هو الظفر الوحيد في جسمي.. انزع كل أظافري.

هناك أظافر أخرى في حياتي.. وكلها توجعني.. في عيني وفي يدي وفي رأسي.

وكان الطبيب يضحك والممرضون يضحكون وأسمع أصواتا تشبه الكلام.. ولكنني غارق في ألم وعرق وخوف ويأس.

وعدت أقول للطبيب: أعفني من حياتي كلها يا دكتور.. هل تعرف ماذا أعمل.. إنني كعامل التليفون.. إنني أرد على مئات النداءات.. مئات المتاعب.. كلها تتزاحم على رأسي في آن واحد.. تصور يا دكتور هذا يحدث كل يوم.. أعفني من هذه المكالمات.. حطم هذه الأجراس التي ترن وتئن.. اقطع الحرارة. اقطع النور.. اقطع الماء.. اقطع أظافري وأصابعي وحياتي كلها.

لا أدري كم من الوقت مضى وأنا أصرخ ولا أدري ما أقول.. ولا كيف عدت إلى بيتي.. ولكن بعد ساعتين تماما دبت الحياة في إصبعي.. تفجر الدم.. والألم.. والدموع وأحسست بالمشارط والسكاكين والطبيب والممرضين كلهم يتزاحمون في إصبعي ووراءهم وأمامهم ملايين من النمل والنحل!!

وظللت أرميهم جميعا بأقراص مسكنة.. واختفى الطبيب والممرضات وذابت المشارط والسكاكين ولم يبق إلا النمل والنحل. ظللت ساهرا معها حتى الصباح.

إنها شكة إبرة!!