ماذا لو فشلت سياسة التقشف في أوروبا؟

TT

دائما ما أضج بالشكوى من حالة النقاش الاقتصادي في الولايات المتحدة، واللامسؤولية عند بعض السياسيين، مثل الجمهوريين الذين يزعمون أن التأخر في سداد الديون الأميركية لا يمثل مشكلة كبرى أو مخيفة. لكن أوروبا شهدت عكس ذلك، حيث سيطر «حزب المعاناة» على زمام الأمور لأكثر من عام، مصرا على أن العملات القوية والميزانيات المتوازنة هي الحل لكل المشكلات. هذا الإصرار كان يخفي تحته خيالات اقتصادية، خاصة الاعتقاد بوهم الثقة، المتمثل في الاعتقاد بأن خفض الإنفاق سيؤدي حقا إلى خلق وظائف، لأن التقشف المالي سيحسن من ثقة القطاع الخاص.

ولسوء الحظ فإن الوهم بتحسن الثقة لم يتحقق. وبات النزاع حول كيفية التعامل مع حقيقة مزعجة تجعل أوروبا منطلقا لأزمة مالية جديدة. والجدير بالذكر أنه بعد إنشاء اليورو في عام 1999، بدأت الدول الأوروبية، التي كانت تعتبر في السابق مصدر خطر، تواجه قيودا على حجم الاقتراض وعلى استقبال تدفقات ضخمة من رأس المال. وفي النهاية، بدأ المستثمرون يفكرون بشكل علني، إذا كانت اليونان والبرتغال وأيرلندا وإسبانيا من دول الاتحاد الأوروبي، إذن فما الخطأ الذي يمكن أن يقع؟

الإجابة عن هذا السؤال واضحة بشكل مؤلم بطبيعة الحال. فقد وجدت الحكومة اليونانية نفسها قادرة على الاقتراض بمعدلات أعلى قليلا من ألمانيا، وتزايدت عليها الديون، فيما لم تفعل أيرلندا وإسبانيا ذلك (البرتغال كانت في الوسط بين الاثنتين)، لكن مصارفهما قامت بذلك، وعندما انفجرت الفقاعة وجد دافعو الضرائب أنفسهم تحت مطرقة ديون المصارف. وزاد من سوء المشكلة حقيقة أن الازدهار الذي وقع بين عامي 1999 و2007 ترك الأسعار والتكاليف في الدول المدينة متفاوتة، إلى حد بعيد، مع الدول المجاورة لها.

ما هو الحل؟ عرض القادة الأوروبيون قروضا طارئة لدول الأزمة، لكن في مقابل وعود بفرض برامج تقشف صارمة، تتكون، على الأغلب، من خفض ضخم في الإنفاق. ورفض المعترضون هذه البرامج بحجة أنها لن تتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة منها، بأنها لن تتسبب في ألم كبير مباشر، لكنها ستتسبب في تفاقم الركود الاقتصادي وخفض العائدات، وأن التقشف سيكون توسعيا، بحسب زعمهم، لأنه سيحسن الثقة.

لكن أحدا لم يصدق مبدأ التقشف التوسعي بشكل تام أكثر من جان كلود تريشيه، رئيس البنك المركزي الأوروبي. ففي ظل قيادته بدأ الدعوة إلى التقشف على أنه الدواء الشافي للاقتصاد العالمي، الذي ينبغي فرضه في الحال وفي كل مكان، حتى في الدول الكبيرة مثل بريطانيا والولايات المتحدة، التي لا تزال تعاني من مستويات مرتفعة من البطالة، والتي لا تواجه ضغوطا من الأسواق المالية. لكن كما ذكرت فإن خرافة الثقة لم تظهر، والدول الأوروبية المتعثرة بالديون، كما كان ينبغي أن نتوقع، تعاني مزيدا من التراجع الاقتصادي بفضل برامج التقشف، وتراجعت الثقة بدلا من أن ترتفع. وبات واضحا الآن أن اليونان وأيرلندا والبرتغال لن تستطيع ولن تتمكن من رد ديونها بشكل كامل، على الرغم من قدرة إسبانيا على ذلك.

إن أوروبا بحاجة إلى الاستعداد لنوع ما من خفض الديون، يتضمن توليفة من المساعدات من الاقتصادات القوية، ونسبة خصم من قيمة الأصول التي ستفرض على الدائنين المستقلين، الذين سيضطرون إلى قبول عدم تسديد الديون بشكل كامل. بيد أن البراغماتية تبدو غير متوافرة. من ناحية، تأخذ ألمانيا خطا متشددا ضد أي شيء يشبه المساعدة للدول المتعثرة، على الرغم من أن أحد الدوافع لبرنامج الإنقاذ الحالي كان محاولة وقاية المصارف الألمانية من الخسارة.

من ناحية أخرى، يعمل البنك المركزي الأوروبي كما لو كان مصمما على إثارة أزمة مالية، فقد بدأ رفع معدلات الفائدة على الرغم من الحالة المرعبة التي تسود الكثير من الاقتصادات الأوروبية. وقد حذر مسؤولو المصرف المركزي الأوروبي من أي شكل من أشكال إغاثة الديون، الحقيقة أن أحد أعضاء المجلس الحاكم أشار، الأسبوع الماضي، إلى أن إعادة هيكلة السندات اليونانية، حتى وإن كانت بسيطة، ستؤدي بالبنك المركزي الأوروبي إلى عدم قبول هذه السندات كضمان إضافي للقروض المقدمة إلى المصارف اليونانية. وصل ذلك إلى حد صدور إعلان يقول إنه إذا سعت اليونان إلى إنقاذها من الديون، فإن البنك المركزي الأوروبي سيتوقف عن دعم النظام المصرفي اليوناني، الذي يعتمد بشكل جوهري على هذه الديون.

وإذا ما انهارت المصارف اليونانية فإن ذلك قد يجبر اليونان على الانسحاب من منطقة اليورو، وهو ما قد يشكل بداية لانهيار مالي أشبه بقطع الدومينو في كل أنحاء أوروبا. إذن ففيم يفكر البنك المركزي الأوروبي؟ تخميني، أن البنك المركزي الأوروبي غير راغب في مواجهة فشل خيالاته. وإذا ما بدا ذلك أحمق إلى حد بعيد، فمن قال إن هذه الحكمة يمكن أن تسود العالم؟

* خدمة «نيويورك تايمز»