«القاعدة».. إلى أين سيقودها الظواهري؟

TT

ليس هناك شعور يعادل الحصول على المنصب الأعلى بعد عقد من الاضطلاع، بتفان، بدور الرجل الثاني لزعيم يحظى بنفوذ كبير.. لكن بالنسبة لأيمن الظواهري، الجراح المصري الصارم ونائب أسامة بن لادن منذ فترة بعيدة، يأتي توليه خلافة زعيم «القاعدة» حاملا معه تحديا غير متوقع؛ فقد ترك له سلفه مشروعا يعاني بعض الفشل، ذلك أنه خلال السنوات الأخيرة تعاني «القاعدة» مشكلة عميقة، ومن غير المحتمل أن يثبت الظواهري قدرته كقائد قادر على إحداث تغيير.

الواضح أن «القاعدة» تروج لآيديولوجية فقدت كثيرا من بريقها داخل العالم المسلم، ولم يشن التنظيم هجوما إرهابيا ناجحا في الغرب منذ 7 يوليو (تموز) 2005، عندما فجر وسائل نقل في لندن. على سبيل المثال، أخفقت خطط التنظيم لنسف سبع طائرات أميركية وبريطانية وكندية فوق المحيط الأطلسي عام 2006، وأخفق تفجير عبوات ناسفة في مانهاتن عام 2009، وكذلك أخفق في شن هجمات على غرار ما وقع في مومباي داخل أوروبا بعد عام. واللافت أنه لم يشن هجوما ناجحا داخل الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

ويعود تاريخ هذا السجل من الإخفاقات إلى ما قبل أحداث «الربيع العربي»، وهي أحداث لم تضطلع قيادات «القاعدة» أو أتباعها أو أفكارها بأي دور فيها.

في تلك الأثناء، ألحقت هجمات واشنطن باستخدام طائرات من دون طيار ضررا بالغا بصف قيادات «القاعدة» منذ صيف 2008، عندما أعطى الرئيس جورج دبليو بوش الضوء الأخضر لبرنامج نشط لشن هجمات داخل المناطق القبلية في باكستان. والملاحظ أنه داخل أكبر دولتين مسلمتين من حيث عدد السكان، إندونيسيا وباكستان، تراجع عدد أصحاب وجهات النظر الإيجابية تجاه بن لادن ومؤيدي التفجيرات الانتحارية بمقدار النصف على الأقل بين عامي 2003 و2010.

وتتمثل القوة المحركة الرئيسية وراء هذا الانحسار، في القتلى بين المدنيين المسلمين الذين سقطوا على أيدي إرهابيين جهاديين. وجاء تساقط هؤلاء القتلى المدنيين من بغداد إلى جاكرتا، ومن عمان إلى إسلام آباد، على مدار العقد الماضي في معظمه على يد «القاعدة» وحلفائها. ورغم أن الجماعات الجهادية تصور نفسها كحامية للإسلام، فإنه بات واضحا أن أفعالها مدمرة للمسلمين أنفسهم.

وإدراكا منه لهذه المشكلة، أقدم الظواهري ومساعدوه في ديسمبر (كانون الأول) على خطوة غير مسبوقة تمثلت في تلقي استفسارات من أي شخص عبر الإنترنت. وأجاب زعيم «القاعدة» عن الأسئلة بعد ذلك بأربعة أشهر.

إلا أن الأمر لم يمض بصورة جيدة؛ فمثلا سأل شخص عرف نفسه مدرسا للجغرافيا: «أعذرني، سيد الظواهري، لكن من يقتل الأبرياء في بغداد والمغرب والجزائر بمباركتكم؟ هل تعتبر قتل النساء والأطفال جهادا؟»، وأجاب الظواهري أن بإمكانه تبرير قتل «القاعدة» للمسلمين المدنيين، واتخذ رده نبرة دفاعية للغاية مستشهدا بفقرات عويصة على الفهم من أمور قالها بالفعل في هذا الشأن.

وقد أكد هذا الأمر بالفعل نقاط ضعف الظواهري، خصوصا بالمقارنة بسلفه، ففي الوقت الذي اتسم بن لادن بكونه خطيبا ملهما، يبدو الظواهري أشبه بعالم متحذلق وثرثار يصر على جمع الأسرة حول مأدبة عشاء خلال عيد الشكر ليسرد قصصه عن نزاعاته مع أعداء مجهولين لا يأبه بهم أحد.

ولا يفتقر الظواهري إلى الكاريزما فحسب، وإنما يبدو أنه قائد يفتقر إلى الفعالية ولا يحظى بتقدير أو محبة كبيرة في صفوف الكثير من الجماعات الجهادية من بلده الأصلي؛ مصر. وقوبل خطابه الذي ألقاه منذ بضعة أسابيع عن «الربيع العربي» بتجاهل ملحوظ داخل الشرق الأوسط.

الواضح أن شخصية الظواهري ستخلق اختلافا كبيرا في مستقبل «القاعدة» التي أقسم أعضاؤها قسم ولاء وطاعة لابن لادن. ومن غير الواضح كم منهم سيحول هذا القسم تلقائيا إلى الظواهري.

إضافة إلى ذلك، فإن الجماعات الإقليمية التابعة لـ«القاعدة» («القاعدة في العراق» و«القاعدة في بلاد المغرب» و«القاعدة في شبه الجزيرة» و«حركة الشباب الصومالية»)، أعلنت جميعها الولاء لابن لادن عندما أصبحت جزءا من شبكة التنظيم. وفي الوقت الذي أعلنت فيه «القاعدة في العراق» ولاءها للظواهري في بيان أصدرته في 9 مايو (أيار)، فإن الجماعات الأخرى ربما لا توافق على تحويل ولائها نحو الظواهري.

عندما أعلن أتباع بن لادن مشاعرهم له، كان ذلك بدافع الحب. من ناحيته، وصف أبو جندل، يمني أصبح لاحقا حارسا شخصيا له، لقاءه الأول بابن لادن عام 1997 باعتباره لقاء «جميلا»، وقال إنه أصبح يعد بن لادن «بمثابة والد». وشرح شادي عبد الله، الأردني، وهو أحد الحراس الشخصيين لابن لادن أيضا، جاذبية شخصية قائده بقوله: «إنه شخص يتميز بكاريزما كبيرة. بإمكانه إقناع الناس بأسلوب حديثه، وربما يمكن أن نقول إنه (أغوى) كثيرا من الشباب بحديثه».

ولا توجد أدلة توحي بأن الظواهري قادر على إثارة مشاعر مشابهة. في الواقع، غالبا ما يبدو أشبه بمدير تقليدي، مثلما اشتكى في مذكرة يعود تاريخها إلى قبل هجمات 11 سبتمبر وعثر عليها في أفغانستان، من أن أعضاء «القاعدة» في اليمن أنفقوا أموالا طائلة على جهاز فاكس.

ومن بين المؤشرات على نقاط ضعفه المحتملة كزعيم جديد لـ«القاعدة» أنه رغم كون الظواهري نائبا لابن لادن منذ عام 2001، فإن الأمر استغرق أكثر من ستة أسابيع حتى تعلن «القاعدة» تقلده زعامة التنظيم؛ وهو تأخير لا يوحي بوجود تأييد له داخل المنظمة الإرهابية.

رغم كل نواقص الظواهري ووجود مشكلات مؤسساتية خطيرة ورثها، فإنه تبقى أمامه بعض الفرص المؤسساتية التي قد تساعده على إنعاش «القاعدة». ومع تحول «الربيع العربي» إلى صيف طويل حار وعنيف، سيحاول الظواهري استغلال الفوضى الإقليمية لتحقيق هدفه الرئيسي: إقامة ملاذ آمن جديد لـ«القاعدة».

من بين الأماكن التي قد يستغلها في ذلك، اليمن. المعروف أن كثيرا من قادة التنظيم، بمن في ذلك بن لادن شخصيا، لهم جذور يمنية. وقد أشار مسؤولون أميركيون معنيون بمكافحة الإرهاب إلى «القاعدة في اليمن» باعتبارها أخطر الأفرع الإقليمية للتنظيم. وتوفر الحرب الأهلية التي تعصف باليمن الآن فرصة للمسلحين الجهاديين للسيطرة على مدينة زنجبار الجنوبية.

المؤكد أن «القاعدة» سترغب في البناء على هذه الميزة داخل بلاد تعد الآن أقرب ما يكون لأفغانستان قبل 11 سبتمبر، حيث يسود تركيبها السكاني الطابع القبلي وينتشر بها السلاح وتعاني فقرا مدقعا جراء سنوات من الحرب.

بعد هجمات 11 سبتمبر، كتب الظواهري في مذكراته أن هدف «القاعدة» الأكبر كان السيطرة على مساحة كبيرة من بلد ما من العالم المسلم، وأوضح أنه «من دون تحقيق هذا الهدف لن تعني أعمالنا شيئا سوى مجرد مضايقات متكررة». وربما يحظى الآن بفرصة لتحقيق هدفه، لكن بالنظر إلى نقاط القصور في شخصيته ومهاراته القيادية المشكوك فيها وتراجع التنظيم ذاته من الناحية المؤسساتية، فليس هناك ما يدعونا للاعتقاد بأنه سينجح؛ حتى داخل الدولة اليمنية الفاشلة.

* مدير شؤون دراسات

الأمن الوطني في مؤسسة

«نيو أميركا»، ومؤلف كتاب «الحرب الأطول: الصراع المستمر بين أميركا و(القاعدة)».

* خدمة «واشنطن بوست»