تمرة مع فنجال قهوة

TT

إنني من هواة أكل التمر، فنادرا ما يمر يوم إلا وآكل فيه تمرة واحدة على الأقل، إن لم يكن أكثر، وذلك مع قليل من اللبن الحامض أو القهوة المرّة، وحتى لو سافرت إلى الخارج فلا بد وأن أتزود بما يقدرني الله عليه من تلك الفاكهة التي تكون في أحسن حالاتها عندما تنضج كبلح في الصيف، ومعلوم أن النخل لا يطرح إلا في هذا الفصل، لذلك شككت فئة من المسلمين أن يكون مولد المسيح عليه السلام في يوم 25 ديسمبر (كانون الأول)، مستندين بذلك للآية الكريمة التي أوحى بها الله للسيدة مريم عندما قال: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا)، وعلى هذا الأساس فالمنطق يحتم أن يكون عيد الميلاد في أغسطس (آب) مثلا وليس في ديسمبر الذي هو عز الشتاء في فلسطين، والله أعلم.

وبما أن الرطب والبلح الطازج لا يتوفر إلا في فصل الصيف، فقد تفتقت قريحة أحد رجال الأعمال الخليجيين، بأن يذهب إلى أستراليا ويشتري أرضا صحراوية شاسعة والتي بيئتها كبيئة الجزيرة العربية، ويغرس فيها عشرات الآلاف من أجود أنواع النخل، لكي يجني محاصيلها في عز الصيف هناك، الذي هو عز الشتاء هنا، ويبدأ بتصديره للأسواق العربية وغيرها، ولا شك أنه ذكي ويعرف من أين وكيف تؤكل البلحة، فصحراء أستراليا هي المكان الوحيد الملائم في جنوب الكرة الأرضية لزراعة النخيل.

ومما قرأته في كتاب «الحقيقة والمجاز» لعبد الغني بن إسماعيل النابلسي في سنة 1693، نقلا عن فتح الدين الزرندي؛ أنه أكد وجود ما لا يقل عن 113 نوعا من التمر في المدينة المنورة وحدها.

وعندما استعرضت هذه الأسماء لم أعرف منها سوى العجوة، وهي التي حث على تناولها الرسول الكريم، وكذلك عرفت الحلوة، والروثانة، والسكرية، والخضريّة، والبرنيّة.

غير أنني وقفت حائرا أمام أسماء أصناف لم أسمع بها من قبل، ووردت في صفحة (236/235)، ومن بعضها: بربري أصفر، باذنجانة، أم عظام، أم الدبان، أبزاز الكلبة، قرينات الغزال، بيضة بغدادية، شاهنشاهية، ضبعة الوادي، ممصوصة، مكيوية، لاوية الرأس، خصية التيس، لسان الطير، نور العين، أطراف العذارى.

وإنني بدوري أتوجه بهذا السؤال لما تبقى من أنصار المدينة: هل ما زالت الأصناف التي أوردتها موجودة في المدينة بنفس أسمائها، أم أنها تبدلّت مع تغير الزمن؟!

إذا كانت ما زالت تحمل نفس أسمائها القديمة، فإنني استحلفكم بالله لا أريد منها سوى آخر صنفين من التي ذكرتها، فهما يكفياني ويشبعان نهمي، وهما نور العين، وأطراف العذارى.

وعلينا أن نمتثل لتوصية وتوجيه المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما قال: (أكرموا عمتكم النخلة).

ومن شدّة إعجابي بهذا الحديث الشريف، أذكر في يفاعتي أنني قد أحببت إحدى عماتي لما تتحلى به من عطف، ونظرا لإظهار مودتي لها قلت لها (وعلى بالي) أنني سوف أفرحها: يا ليت يا عمتي سموك نخلة، ويبدو أن أمنيتي تلك قد أصابتها بحساسية وظنت أنني أهزأ بها - خصوصا أنها كانت طويلة - وما إن سمعت كلامي حتى تغير وجهها، ولأول مرّة أشاهدها غاضبة، رحمها الله.

[email protected]