حان الوقت للخروج من أفغانستان

TT

بعد فترة ليست بالطويلة من محاولة النهوض بأفغانستان ـ من القوات الأميركية وغيرها والكميات الضخمة من المساعدات والفنيين المدنيين والكثير من الأموال التي كانت الطائرات تقوم بتهريبها إلى خارج البلاد ـ ستعود طالبان مرة أخرى إلى أفغانستان. فستنزل من الجبال وتعود من باكستان، وإما أن تعقد اتفاقا مع الحكومة أو أن تحاول إعادة السيطرة على البلاد مرة أخرى. ليس هذا هو ما سيحدث فقط في المستقبل. فهذا هو ما حدث في الماضي.

كانت الاستثمارات الأميركية الضخمة في أفغانستان خطأ منذ البداية. كان من الضروري منذ البداية، ناهيك عن قول ذلك مباشرة، تعقب أسامة بن لادن وقتل جميع أعضاء «القاعدة». وقد أنجزت هذه المهمة إلى حد بعيد. لكن بقية الأهداف, من هزيمة طالبان وبناء دولة ديمقراطية , ليست في نطاق سيطرة الولايات المتحدة. لذا ينبغي أن تعود القوات, غالبيتهم, إلى الولايات المتحدة.

كان الرئيس أوباما دائما ما يظهر فتورا تجاه الحرب في أفغانستان، وكان قراره في عام 2009 بالتعهد بإرسال 30000 جندي إضافي إلى المجهود الحربي هناك ـ أو كما يطلق عليها زيادة وست بوينت ـ حلا يؤدي إلى الخلاف بشكل واضح، فقد كانت أقل مما طلبه الجيش، وأكثر مما اعتقده منتقدو الحرب. والآن يتوجب على الرئيس أوباما أن يحدد عدد الجنود الذين سيواصلون البقاء في أفغانستان من بين ما يقرب من 100000 جندي. وسيكون تواجد أقل عدد من الجنود هناك القرار الحكيم للرئيس.

المشكلة في تزكية هذا المسار أنه يتفق ووجهات نظر السياسة الخارجية لغالبية المرشحين الرئاسيين من الجمهوريين. بيد أن موقفهم هذا ليس سوى جزء من جزء من اعتناقهم الكامل لمذهب هيربرت هوفر الجمهوري. فسيتوجهون نحو الداخل والانكفاء على الذات, ما وصفه جون ماكين وليندسي غراهام بالانعزالية, في الوقت الذي يتبنون فيه السياسة الاقتصادية الكارثية لهوفر. الجهل التاريخي الواضح لدى شبابنا هو تكريم ملائم لكبار رجالاتهم من الحزب الجمهوري، الذين لم يكتفوا بكساد يقومون خلاله بخفض الإنفاق الحكومي والتسبب في شيوع حالة من الاكتئاب.

تشبه استجابة الجمهوريين لكل من المشكلات الخارجية والداخلية إلى حد مع ما سيبدو بفترة أشبه بالثلاثينات مرة أخرى. حيث شجع الكساد القوي الذي انتشر حول العالم في تلك الفترة على ظهور الحركات الفاشية والشيوعية وتحولت أغلب الدول إلى الداخل. والموقف ليس سيئا، لكن عندما شكا وزير الدفاع النشط روبرت غيتس بشأن تردد الناتو من القيام بعمل ما تجاه ليبيا، كان يتحدث عن الحكومات التي تضررت بشدة ـ بعضها مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا التي تقف على شفا الإفلاس. ونفس مشكلة الديموغرافيا المقلوبة التي تواجه الولايات المتحدة ـ عدد قليل من الشباب يدعم عددا كبيرا للغاية من كبار السن ـ تواجه بقية دول العالم الصناعي. وسرعان ما ستعلم الصين بتبنيها سياسة الطفل الواحد ما أعنيه.

ستكون عودة حقبة الثلاثينات مثارا للخوف والترقب ـ العقد الذي أدى إلى الحرب العالمية الثانية في النهاية, لكن لا بد من الإقرار بذلك. وقد انضم الجناح اليميني من الحزب الجمهوري، والذي يمكن القول إنه يشكل غالبية الحزب، إلى الجناح اليساري من الحزب الديمقراطي, والذين يمكن أن يقال إنهم يشكلون عددا كبيرا من الحزب، في الدعوة إلى الانسحاب من أفغانستان. وإذا ما كان هناك سبب مقنع للبقاء، وإذا ما كان هناك مساس بالأمن القومي بصورة مباشرة أو كانت فرص النجاح جيدة يجب على الرئيس أن يحافظ على زيادة القوات في البلاد، لكن غارات الطائرات من دون طيار دكت البنية التحتية لطالبان و«القاعدة» ـ وقتلت ما يقرب من 2000 في باكستان منذ عام 2006 ـ ويمكن أن تواصل ضغط القتال. وبالمثل يمكن استخدام القوات الخاصة وقوات النخبة في الحفاظ على تحييد طالبان والقضاء على «القاعدة».

البقاء في أفغانستان سيعمل فقط على تدعيم حجج دعاة الانعزالية الجدد، وهذا هو الخطر الأكبر. فلا تزال أميركا الدولة الوحيدة القادرة على لعب الدور الأكبر والعالم بحاجة إلينا، وقريبا سيحتاج العالم إلينا بشكل أكبر. والصين والهند وباكستان واليابان والكوريتان متشابهة كشخصيات ريال هوسوايفز أوف نيويورك، من حيث امتلاكها أو قدرتها على تطوير أسلحة نووية، وإيران تسير على الطريق لذلك، وربما يتسبب برنامجها في هجوم إسرائيلي وربما تشجع السعودية وربما مصر على امتلاك السلاح النووي. وربما ينهار الأردن ويتداعى العراق. وهل ذكرت لكم الحرب السيبرانية؟ هذه هي الحرب التي تسبب الأرق للمخططين العسكريين.

أفغانستان مكان غريب، لا ينبغي البقاء فيه. يمكننا قتل الإرهابيين، لكننا لن نقتل الثقافة التي تنتجهم. لقد وصل الفساد إلى مستويات كبيرة، وافتقارنا إلى الفهم متواضع وأهداف حربنا غير متماسكة. ربما يكون الوقت قد حان للرحيل عن أفغانستان وتوفير ذخائرنا لأمر قد يتطلبها فعليا.

* خدمة «واشنطن بوست»