هل سيكون المغرب أنموذجا للإصلاح؟

TT

يمكن القول إن خيار الإصلاح لقطع الطريق أمام أي ثورة هو من الخيارات الصعبة والدقيقة وذات الحساسية العالية من حيث الصدق في الإصلاح وجديّة التجسيد.

فالإصلاح إذا ما تمّ حسب الشروط اللازمة لأي إصلاح حقيقي يصبح في حد ذاته ثورة من نوع آخر، وبالتالي فهو البديل القادر على إشباع التوقعات وتلبية تطلعات الشعوب ومطالبها.

وفي الحقيقة تتوفر في بلد المغرب مقومات عديدة تجعله قادرا على تقديم أنموذج ينتصر لخيار الإصلاح ويطرح في صورة نجاحه بدائل أخرى على البلدان العربية التي تعرف حراكا يطل على خيار الثورة.

ولعل مشروع الدستور المغربي الجديد يعد وثيقة مادية من خلالها يمكن قياس مستوى الإرادة الإصلاحيّة بالنسبة إلى المؤسسة الملكية المغربية من جهة والتعرف إلى مدى هضم هذه المؤسسة للمتغيرات التي تشهدها المنطقة ووعيها بأهمية تطلع الشباب العربي خاصة للتغيير من جهة أخرى.

وأول نقطة يمكن استنتاجها بعد الاطلاع على بنود مسودة الدستور المغربي الجديد الذي سيعرض على الاستفتاء في بداية الشهر القادم، أنه بقدر ما كانت روح الإصلاح ترفرف في بعض البنود، بقدر ما كانت خافتة في بنود أخرى رئيسية من ناحية المضامين. ذلك أن مظاهر الإصلاح بدت قوية في البنود ذات الصلة بالمسألة الحقوقية حيث نص مشروع الدستور صراحة على صفة الجريمة لممارسات التعذيب كافة إضافة إلى الإعلان عن الحق في التظاهر السلمي.

وبلغت الإرادة الإصلاحية مسافة متقدمة في مجال الحقوق الثقافيّة من خلال رد الاعتبار إلى اللّغة الأمازيغية وجعلها صنوا للغة العربيّة وهو ما نتج عنه تصور أكثر صراحة وإمساكا للعناصر المكونة للهويّة المغربيّة حيث تمّ تأكيد الهوية العربيّة والإسلاميّة والأمازيغيّة معا.

وتكمن أهمية هذه البنود التي تندرج في إطار الحقوق الثقافيّة في أنها تخضع إلى «دسترة» ممّا يجعل استحقاقاتها على أرض الواقع ملزمة للدّولة.

وإذا كانت إرادة الإصلاح جارفة نسبيا في المجالين الحقوقي والحقوق الثقافيّة، فإن المجال السياسي لم يعرف نفس الحماسة والجرأة، حيث بدت الإصلاحات المعبرة عنه محتشمة وتحافظ على مركزية صلاحيات الملك رغم ما أظهرته من توسيع لصلاحيات الوزير الأول والبرلمان، خصوصا أن صياغة مشروع الدستور ذاتها قد أطنبت في التركيز على صلاحيات الملك وهو إطناب كان بالإمكان التقليص من حدته، باعتبار أنه قد حجب النظر عن تلك الخطوة الإصلاحيّة.

طبعا الشعب المغربي سيقول كلمته في الاستفتاء العام ولكن قدرة المؤسسة الملكية على المعالجة السياسيّة والتجدد أكبر ممّا تضمنه مشروع الدستور من إصلاحات سياسيّة، جاءت مثقلة بهيمنة المؤسسة الملكيّة على القرار السياسي، التي يبدو أنها تحتكم إلى سياسة القطرة قطرة في واقع ساخن يعرف تعطشا.

وإلى جانب ما يعنيه نجاح مشروع الإصلاح وإشباع توقعات الشباب والشعب المغربيين من شروط رئيسية لاستقرار المغرب في الداخل، فإن هذا النجاح في صورة تحققه سيكون نقطة لافتة في الرّاهن العربي والإسلامي وقد يشجع على تبني سيناريو الإصلاح الحقيقي الذي يتسم بوعي خطورة اللحظة السياسية عربيا وأيضا بالإرادة الحقيقية في استيعاب شعوب المنطقة.