الذكرى السنوية في إيران لعدو غير موجود

TT

رسميا لا يوجد هذا العدو، أو كان من الأفضل لو لم يظهر إلى الوجود. ومع ذلك تخصص وسائل الإعلام الرسمية في الجمهورية الإسلامية مساحة وتبذل طاقة استثنائية لهذا «العدو» غير الموجود.

إن «العدو» المقصود هنا هو «الحركة الخضراء»، وهو اسم شامل يضم مجموعات وأحزابا متعددة ترفض الاعتراف بفوز محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية جديدة خلال انتخابات 2009. وأشهر قادة هذا الائتلاف المتنوع، ومنهم مير حسين موسوي رئيس الوزراء السابق، إما في السجن أو قيد الإقامة الجبرية في المنزل أو في المنفى. وتم إغلاق جميع الصحف التي قامت بدعم الحركة يوما ما ولم يتم السماح للمتعاطفين معها بالظهور في وسائل الإعلام التابعة للدولة.

رغم هذا يمكن من خلال الاطلاع على وسائل الإعلام الإيرانية ملاحظة أنه حينما تذكر كلمة «خضراء»، يهتاج النظام الخميني ويستشيط غضبا.

في بداية الشهر الحالي نشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إرنا» 22 خبرا لتثبت أنه لم يعد هناك وجود «للحركة الخضراء». كما خصصت جريدة «كيهان» اليومية التابعة مباشرة لمكتب علي خامنئي (المرشد الأعلى) 40% من افتتاحيتها للموضوع نفسه. على الجانب الآخر، نشرت الصحف الأسبوعية التي يمتلكها الحرس الثوري الإيراني موضوعات مثيرة عن التورط المزعوم للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل وهولندا والنرويج في مؤامرات مغرضة للإطاحة بنظام الخميني. ونخلص من كل ذلك إلى استمرار وجود «الحركة الخضراء» رغم التصريحات الرسمية.

وتتواجد هذه الحركة في صور مختلفة، تتضح أولها من خلال الهجمات المستمرة لوسائل الإعلام التابعة للنظام مما يشير إلى اعترافه بهذه الحركة الآن كعدو رئيسي. ظلت المعارضة لسنوات حكرا على الأحزاب القومية والملكية. وجاء دور مجاهدين خلق ليكونوا هم الأعداء المعترف بهم للنظام.

ولم تنجح هجمات وسائل الإعلام سوى في أمر واحد وهو أنها رفعت الروح المعنوية لموسوي وصديقه المقرب والملا المنشق، مهدي كروبي، وهو ما يفتقده أحمدي نجاد أو علي خامنئي (المرشد الأعلى) في الوقت الحالي. لذلك طالما لم يعلن أي من موسوي أو كروبي استسلامه، فإن الحركة التي تمثلهما لا تزال موجودة.

السياسة كالحرب لا ينتهي الصراع فيها إلا بإعلان أحد الأطراف هزيمته، كما أنها لا تقتصر على ساحة المعركة في جميع الأوقات. هناك أوقات يركز فيها الزعماء طاقتهم للحفاظ على النفس. ويذكرون الحكمة القائلة «عش حتى الغد لتشارك في معركة أخرى». وقد أثبت كل من موسوي وكروبي - من خلال رفضهما للعروض المتكررة لتسوية النزاع - أنهما يتمتعان بروح معنوية قوية لم يكن يعتقد البعض أنهما يحظيان بها.

كذلك فشلت محاولات الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي بإقناع موسوي بالاستسلام. وباعتقال موسوي وكروبي يكرر النظام الخطأ الذي وقع فيه الحكام العسكريون في بورما، حيث أدى اعتقالهم لزعيمة المعارضة أونغ سانغ سو تشي إلى تحويلها إلى رمز لمقاومة الاستبداد بطريقة لم يتخيلها جنرالات رانغون.

ماذا عن القاعدة الشعبية للحركة؟ في مطلع هذا الشهر دعا المتحدث باسم الحركة من منفاه إلى «مسيرات حاشدة» بمناسبة الذكرى السنوية للانتخابات الرئاسية المزورة عام 2009. لكن لم يشهد رموز المعارضة المنفيون المظاهرات الضخمة كما كانوا يأملون. ولم تتعد الحشود الكبيرة في طهران وأصفهان على سبيل المثال 2000 شخص فقط وهو أقل بكثير من الحشود المليونية التي شهدتها إيران عام 2009.

ومع ذلك فقد عمدت الحركة التي لا وجود لها إلى تحقيق أحد أهدافها الرئيسية وهو فضح توحش النظام الذي زاده خوفه عدوانية. لم يشاهد الإيرانيون حشودا هائلة من قبل، لكنهم شاهدوا العربات المدرعة والوحدات الخاصة المدججة بالسلاح ووحدات الباسيج شبه العسكرية المنتشرة في كل مكان. لقد شاهدوا النظام وهو يحاول أن يدافع عن نفسه باستعداده لقتل الناس في الشوارع، بمعنى أن الحركة غير الموجودة تحافظ على وجودها كتهديد للنظام الذي يفقد شعبيته يوما بعد يوم.

وقد ذكرتني أحداث الأسابيع الماضية في إيران بزيارة قمت بها لريغا عاصمة لاتفيا في أغسطس (آب) عام 1977. عندما خرجت من الفندق شاهدت السيارات المدرعة والحراس المدججين بالسلاح الذين ينتشرون في المكان. أخبرني المرشد السوفياتي الخاص بي أن القوات الخاصة تنتشر في المدينة لمنع مسيرات احتجاجية تقام بمناسبة عيد استقلال لاتفيا قبل احتلالها من قبل ستالين. ولم يكن هناك داع لمشاهدة المسيرات؛ فالطريقة التي ينظر بها المارة إلى الوحدات العسكرية كانت كافية لتخبر الزائر بما يحدث تحت السطح.

لا تحب طهران «الحركة الخضراء» ولكن «الحركة الخضراء» تحافظ على وجودها بتمكنها من نشر رسالتها من خلال البرامج الإذاعية باللغة الفارسية في إيران، ناهيك عن ساحة المعركة على شبكة الإنترنت. وقد ذاع صيت بعض المدونين المؤيدين للحركة الخضراء سواء كانوا في المنزل أو في المنفى، حيث يقدمون بديلا للرواية الرسمية. ولم يعد النظام قادرا على احتكار الوصول للمعلومات أو قراءتها وتأويلها. ومن غير المعقول أن يقتصر اختبار مدى قوة المعارضة على حجم الإيرانيين الذين تحشدهم في الشوارع في أي وقت، فهناك اختبارات أخرى تشمل تأثير رسالتها على الرأي العام.

سيعرف أي شخص يألف المشهد الإيراني أن أحمدي نجاد سيفقد مصداقيته كرئيس سواء فاز في الانتخابات أو لم يفز كما حدث في يونيو (حزيران) عام 2009. من أسباب محاولة خامنئي إقصاء أحمدي نجاد أو على الأقل التقليل من شأنه ليصبح مثل شخصية كاريكاتيرية لرئيس هي خضوع أحمدي نجاد لقانون الإنتاجية المتناقصة. كذلك تتضح عدم القدرة على إبعاد الحركة غير الموجودة من خلال تواجد متعاطفين معها من كل التوجهات تقريبا. فقد انقسم حولها رجال الدين الشيعة لفريقين أحدهما يمثل الملالي في الحكومة والآخر يتكون من رجال الدين المناهضين لنظام الخميني. وانقسم الجيش على نفسه أيضا، فقد أوضح أحد قادة الحرس الثوري أنه صدم أثناء جولة تفتيش العام الماضي بكم الشعارات المؤيدة للحركة التي تزين الثكنات. كذلك أغلب قادة الإضرابات العمالية من النشطاء المتعاطفين مع الحركة غير الموجودة.

من أحد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الفكر السياسي الخميني الادعاء بأن هذا الفكر لا يوحد جميع الإيرانيين وحسب بل الأمة الإسلامية بأكملها. ولكن يعد استمرار وجود الحركة غير الموجودة دحضا مستديما لهذا الزعم السخيف.