أخاف عليك من الهوا وأحسد عليك ثوبك

TT

قال الحكيم الفارسي (بزرجمهر):

«نصحني النصحاء ووعظني الوعاظ، شفقة ونصيحة وتأديبا، فلم يعظني مثل شيبي، ولا نصحني مثل فكري. وعاداني الأعداء، فلم أر أعدى إلي من نفسي إذا جهلت. وأكلت الطيب وشربت المسكر، فلم أجد شيئا ألذ من العافية والأمن. وأكلت الصبر وشربت المر، فلم أر أمر من الفقر. وعالجت الحديد ونقلت الصخر، فلم أر حملا أثقل من الدين. وطلبت أحسن الأشياء عند الناس، فلم أر شيئا أفضل من الخلق الكريم».

عن نفسي أقول: إنني للأسف لم أصغ يوما لا للنصحاء ولا للوعاظ، لهذا ما زلت إلى الآن (آكل على رأسي)، والغريب أنني (مبسوط) أربعة وعشرين قيراطا، وفوقها (بوسة) كمان.

***

لم أحسد إنسانا بقدر ما حسدت رجلا ترافقت معه لعدة (ثوان) في مصعد الفندق، كان وسيما وقد خط الشيب بعض شعر رأسه، ومعه امرأة تقول للقمر (قوم وأنا أجلس بدالك)، وكانا طوال الوقت يتبادلان الابتسامات الصامتة، ونظرات العيون المتيمة، وعندما وقف المصعد في الطابق الذي يسكنانه، أخذ (يحكّني) لساني من شدة الحسد، فلم أملك إلا أن أقول للرجل «أكيد أنكما في شهر العسل»، فأجابني سريعا قبل أن يغلق المصعد بابه قائلا «منذ ست عشرة سنة».

وأغلق الباب في وجهي، وذهبت إلى غرفتي أجر أذيال الخيبة، ونمت ليلتها مثلما ينام العازب: رجل فوق السرير والرجل الأخرى تحته.

***

أطلقت رسميا في لندن أول منظمة عالمية يمكن الانتساب إليها لنشر السعادة. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C) أن منظمة (العمل من أجل السعادة) بلغ عدد أعضائها 45000 شخص من أكثر من 60 بلدا، تعطي أولوية للعلاقات الصحية وللنشاطات التي لديها باعتبارها سبيلا للعيش بسعادة.

وبحكم أنني أتوق للسعادة بطريقة متوحشة ومفترسة، فلم أكذب خبرا، فكتبت لتلك المنظمة للانتساب إليها، ووصلني رد مسؤوليها الصارم الصادم بالاعتذار من دون أي مسوغات.

ولي الآن أكثر من أسبوع منذ تلقيت ردهم، وأنا أعيش في جحيم من المتع الدنيوية المفرطة، وكأنني بذلك أردت لا شعوريا أن (ألقمهم حجرا).

***

هذان الشطران من الشعر أهديهما لفتاة لا أعرفها، شاهدتها ليلة البارحة وهي تتمخطر على (الكورنيش):

«يا حلو يا اللي الهوا هفهف على ثوبك

أخاف عليك من الهوا وأحسد عليك ثوبك».

[email protected]