حرب الإنترنت.. تحديات وتساؤلات

TT

أمن الإنترنت من القضايا العالمية الحديثة بالغة التعقيد التي تؤرق الكثير من دول العالم، وخاصة تداعياتها على الأمن القومي والدولي. وقد شهد العالم في الآونة الأخيرة تطورا سريعا في نظم المعلومات والاتصالات، الأمر الذي ساهم في ظهور وتطور الجرائم الإلكترونية بمختلف أنواعها وأشكالها، والتي أصبحت خطرا يهدد أمن وسلامة العالم بأسره.

فعلى سبيل المثال، في أوائل شهر يونيو (حزيران) الحالي، أعلنت شركة «غوغل» أن قراصنة صينيين تمكنوا من اختراق بعض الحسابات الخاصة على البريد الإلكتروني «جي ميل» الخاص بمسؤولين أميركيين، كما تعرضت شركة «لوكهيد مارتن» الأميركية لتصنيع الأسلحة لهجوم إلكتروني خلال شهر مايو (أيار) الماضي.

ومن شأن الهجمات الإلكترونية أن تكون مساوية لأفعال الحرب، وذلك عندما تتسبب هذه الهجمات في وقوع ضحايا مدنيين على نطاق واسع، وذلك في حالة إذا ما تعرضت مثلا البنية التحتية لتكنولوجيا الاتصالات في المستشفيات ومحطات المياه والكهرباء وشبكات خدمات الطوارئ إلى هجمات إلكترونية، إلى غير ذلك من أخطار وتهديدات وخسائر مادية كثيرة ليس لها حدود.

ولهذا، أصبح أمن الإنترنت والمعلومات من أولويات قادة الدول وبخاصة في المجتمعات المتقدمة، حيث أعلنت مؤخرا الكثير من دول العالم، البدء في إعداد خطط واستراتيجيات وقوانين جديدة وأسلحة وقوات خاصة، لحماية أمن شبكاتها الإلكترونية، ومواجهة والتصدي لأي هجمات أو جرائم إلكترونية عليها.

ففي الولايات المتحدة، ووفقا لما جاء في الإصدار الإلكتروني لصحيفة «نيويورك تايمز»، في 31 مايو الماضي، تقوم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بوضع استراتيجية رسمية جديدة قريبا لردع الهجمات الإلكترونية على الولايات المتحدة، واعتبار الهجوم الإلكتروني من دولة أجنبية على أنظمة الكومبيوتر الرئيسية في البلاد عملا من أعمال الحرب، التي ربما تؤدي إلى رد عسكري. وتأتي خطة البنتاغون في إطار الاستراتيجية الأميركية للأمن الإلكتروني التي أعلنها البيت الأبيض في مايو الماضي.

كما أن الصين أعلنت خلال شهر مايو الماضي أنها شكلت قوة أو وحدة من محاربي الفضاء الإلكتروني، قوامها 30 خبيرا، أطلق عليهم اسم «الفريق أو الجيش الإلكتروني الأزرق (Cyber Blue Team)، تتلخص مهمتهم في حماية شبكات الكومبيوتر التابعة للجيش الصيني من الاختراقات والهجمات الإلكترونية، وتحسين إجراءات الأمن الخاصة بالقوات المسلحة الصينية.

بزوغ مصطلح حرب الإنترنت يثير الكثير من التحديات والتساؤلات الجادة، والتي من بينها: ما هو مفهوم حرب الإنترنت وعسكرة الفضاء الإلكتروني، وهل مظاهر الهجمات الإلكترونية تستحق بالفعل هذه التسمية، وهل هناك ضرورة لصياغة ميثاق لحرب الإنترنت أشبه بميثاق جنيف، وكيف سيتم تعقب والتعامل مع المهاجمين من القراصنة الإلكترونيين الذين لا يمثلون ولا ينتمون إلى دولة ما، فقد يكون من الصعب معرفة الجهة المسؤولة عن الهجمات الإلكترونية، الأمر الذي قد يؤدي لإشعال نزاعات وأزمات كثيرة بين الدول، وكيف سيتم معرفة أن الدولة في حالة حرب إنترنتية تستدعي الرد والتدخل السريع، وهل هناك قواعد وضوابط أخلاقية ينبغي الالتزام بها عند التصدي لهجمات الإنترنت، وما هي معايير العقوبات الدولية المفروضة، ونوعية الهجمات الإلكترونية التي من شأنها أن تستدعي فرض عقوبات اقتصادية أو هجمات إلكترونية مضادة أو هجمات عسكرية، كما أن تبني استراتيجيات عسكرية جديدة خاصة بالحرب الإلكترونية يتطلب تعديلات كثيرة في القوانين الدولية ومصطلحات الحروب في إطار تعريف الهجمات المسلحة، مثل الهجمات الإلكترونية والأسلحة الإلكترونية، إلى غير ذلك من تحديات وتساؤلات مهمة تستدعي الاهتمام والنقاش من أهل الاختصاص، مع التأكيد على ضرورة وأهمية تفعيل التعاون الدولي بين الدول والحكومات لمواجهة تحديات وأخطار الفضاء الإلكتروني المتزايدة.