الدبلوماسية السورية

TT

منذ اليوم الأول لأحداث سوريا تمنيت، سرا وكتابة، أن تستوعب دمشق حركة الاحتجاج وتبعد عن نفسها وعن العالم العربي متاهة أخرى في الدماء والعبث. ومن أجل احتضان المطالب، سواء كان أصحابها صادقين أو متآمرين، كان على الدولة أن تسبقهم لا أن تترك لهم التقدم عليها من مدينة إلى مدينة ثم من قرية إلى قرية.

كان من المتوقع أن يتجاوز الرئيس بشار الأسد «صقور» النظام وبيروقراطية الحزب ونجوم الفولكلور في مجلس الشعب، لكي يقدم للسوريين ما يتوقعونه منه، وأن يعاقب مطلقي الرصاص وليس فقط أن يأمر بعدم إطلاقه. فالتنازل إلى الناس نصر لا انكسار. والإصغاء إلى المطالب ربح لا خسارة.

لكن اعتماد المواجهات أدى إلى تفاقمها. وعلى الصعيد الخارجي فقدت الدبلوماسية السورية أقرب الحلفاء.. من فرنسا إلى قطر إلى، خصوصا، تركيا، التي سلمتها سوريا الكثير من المهام، بما فيها المفاوضات مع إسرائيل، بدل إبقائها في الأمم المتحدة. وعلى الصعيد الإعلامي تحولت صداقة «الجزيرة» إلى عداء، وأخذت المظاهرات تصفها بـ«العبرية» بعدما كان ذلك مخصصا لـ«العربية».

توقعت، أمام هذا الواقع، أن تتمهل الدبلوماسية السورية قليلا لتتأمل ما يحدث: عداء أميركي متوقع. هبوب أوروبي. صمت عربي محرج (بضم الميم). نزاع معلن مع تركيا بعد ودّ لا يصدق. وما من صديق إلا إيران. وما من مؤيد إلا بعض الأصوات اللبنانية فاقدة الصدى. ألم يكن كل ذلك يستدعي إعادة نظر شاملة في السياسة الداخلية والعلاقات الخارجية معا؟!

المفاجأة الأهم كانت في كلام الدكتور وليد المعلم يوم الأربعاء. فالمعروف أن الدبلوماسي العتيق من «حمائم» النظام. ويساعده خفوت صوته على انتقاء كلامه بدقة. لكن ها هو يقف معلنا أن أوروبا لم تعد على الخريطة، ويكرر قول أحد المفوضين السامين أيام الانتداب «الكلاب تنبح والقافلة تسير». وبعدها يعلن أن سوريا سوف تتجه شرقا نحو روسيا والصين.

لا تستطيع دولة في موقع سوريا وفي مركزها السياسي، أن تكون كل تحالفاتها قائمة على إيران وهوغو شافيز، وصداقاتها على روسيا. وماذا تفيد هذه المواجهة اليومية في الداخل والخارج؟! ولماذا؟! هذه السرعة في فقدان الأصدقاء واستعداء الحلفاء يمكن الاستبدال بها وقفة هادئة أمام وقائع العالم الجديد. ليس من أجل التنازل، بل من أجل حماية سوريا ووقف محنتها وعدم الولوغ في النفق حتى نهايته.

تواجه المؤامرات بكسب الأصدقاء وتحصين الداخل والعودة إلى الناس، باعتبارهم القلاع الأولى والأخيرة. والدول لا تستطيع أن تعاند مثل الأفراد. وربما كانت مصلحة سوريا في مصالحتين كبريين: في الداخل والخارج.