والآن الأعراض الجانبية للربيع!

TT

يعلم تماما أطباء الأنف والأذن والحنجرة أعراض «حمى الربيع»، وهي المتمثلة في احمرار شديد في الأعين مع تساقط لا إرادي ومستمر للدموع، وكذلك رشح مزعج للأنف، وحالة «عطس» غير محتمل، وضيق شديد في التنفس.. وهي أعراض يعلمها ويدرك آلامها كل من يعاني هذه العلة الموسمية التي تأتي مع تغير الفصل الموسمي ودخول موسم الربيع.

ويبدو أن للربيع العربي، هو الآخر، موجة وسلسلة من الأعراض الجانبية اللافتة، التي لا بد من التمعن فيها جليا على الساحة العالمية، كما يبدو. فهاهي أوروبا، وتحديدا إسبانيا والبرتغال، ومن قبل بريطانيا، والآن اليونان، تنتفض بعنف على حكوماتها «المقصرة» في برامجها الإنمائية وأساليب إدارتها للأزمة الاقتصادية والاجتماعية في بلادهم، الأمر الذي أدى إلى ركود اقتصادي مخيف ونسب بطالة مقلقة، وهذا الحراك ألهمته الجماهير العربية لأوروبا، بحسب المتابعين والمحللين، وأثر الربيع العربي على سلعة النفط التي لا يزال سعر برميلها يتأرجح بين القفزات للأعلى والهبوط المؤقت، والسعر المرتفع يؤثر على قدرة نمو الاقتصاد في الغرب، فهو يعتبر عنصرا معوقا ومكبلا لإعادة الحراك الاقتصادي الإيجابي، وهو ما اضطر الدول الغربية الكبرى لأن تتحرك لأول مرة منذ زمن طويل.. لأن تفتح مخزونها النفطي الاستراتيجي لتضخ منه لأسواقها المحلية، مما ضغط على معدلات الأسعار بحكم عاملي العرض والطلب وخفض الأسعار كنتيجة طبيعية لذلك الأمر.

وكذلك كان لافتا جدا ومهما جدا أسلوب وطريقة تعامل كل من الصين وروسيا مع الحراك الأممي لإدانة كل من ليبيا وسوريا بسبب الانتهاكات الخطيرة بحق مواطنيها من قتل وقمع، التي أقدم عليها النظام الحاكم وأجهزته في كل من البلدين. فالصين وروسيا أبديتا تحفظا شديدا ومعارضة هائلة لأي إدانة لهما، وذلك على الرغم من وجود أدلة مادية دامغة على مذابح وحشية وانتهاك لجميع أشكال وأنظمة وقوانين ومبادئ حقوق الإنسان، لكن الصين وروسيا «تحسبان» أمورا أخرى، هي أنهما قد تضطران لنفس النهج والأسلوب في القمع والإبادة مع أقاليم ومحافظات عندهما. فالصين لديها «الهم» الكبير في إقليم التيبت والأقاليم المسلمة، التي تشهد بين التارة والأخرى انتفاضات واعتصامات تطالب بحقوقها وتواجهها الصين بقمع كبير، وكذلك حصل الشيء نفسه بالنسبة لروسيا في مناطق الشيشان وداغستان. وطبعا القرارات الأممية هذه، كما تراها الصين وروسيا، هي بمثابة «تمكين» لعصا حلف الأطلسي الغليظة، كما تظهر، وبقوة، في ليبيا، الأمر الذي اضطر روسيا والصين للحراك سريعا لتكوين كيان منافس سمي «لقاء شنغهاي»، الذي سيضم، بالإضافة لروسيا والصين، كلا من كازاخستان والهند وباكستان ودول أخرى، وهو كيان لا يمكن الاستهانة به، وسيمثل توازنا عسكريا آخر لحلف الأطلسي ومنافسا جديا بعد اختفاء حلف وارسو من على الساحة العالمية بعد انحلال وتفكك الاتحاد السوفياتي في التسعينات الميلادية من القرن الماضي.

وطبعا هناك الآثار الاقتصادية التي لا يزال يعانيها الاقتصاد الأميركي بعنف، والذي انعكس، بشكل كبير، على القارة العجوز، أوروبا، وتحديدا في الأزمة الهائلة التي تعصف باليونان وجعلتها تقدم جميع شركاتها الكبرى من دون استثناء للمزاد العلني لأجل سداد مديونيتها وسط خطة تقشف اقتصادي غير مسبوقة ستحول هذا البلد، الذي تعود على أسلوب «اشتراكي» في دعم حياة شعبه، إلى تذوق الغلاء والتضخم والبطالة والتذمر الاجتماعي وكساد كبير يصاحبه اضطراب اجتماعي كبير مليء بالاعتصام والجريمة، سيؤثر حتما على مناطق أوروبية أخرى، خصوصا على ضفاف المتوسط منه (ومن المهم هنا المقارنة بين حالتي الجارتين اللدودتين، تركيا واليونان، الأولى تشهد أبهى عصورها، والثانية في أسوأ أيامها، والأولى خارج السوق الأوروبية، والثانية عضو أساسي فيه، من يضحك أخيرا يضحك كثيرا كما يبدو!).. سنرى الآثار الجانبية لكل هذه الأعراض أنها نتاج «الربيع العربي» بصورة أو أخرى، بعد أن كانت المنطقة العربية هي منطقة «مفعولا بها» دوما تحولت إلى منطقة «مؤثرة» وبقوة، والعرض والأعراض لا تزال مستمرة.

[email protected]