أخيرا.. الوحدة

TT

الذين كانوا يبحثون عن مكونات إضافية للوحدة العربية، عرضت نفسها عليهم طوعا خلال الأشهر الماضية. ملايين البشر تتقاسم الساحات، مؤيدة أو معارضة، أياما وشهورا وليالي، ليس فقط لأنها تريد أن توالي أو تعارض أو ترحِّل، بل إن لا عمل تعود إليه. والشبه الآخر هو اليافطة الموحدة المرفوعة في كل مكان: خبز وحرية وبلاش أحمد عز.

والشبه الكبير بين الشعوب يقابله شبه مماثل بين الحكام: أربعون عاما إلى ثلاثين، قابلة للتجديد، إلا في حالة واحدة، حيث يتجاوز المجدد له صلاحية «العداد»، كما سماه المشير علي عبد الله صالح بلغته الديمقراطية الدستورية، وصارت المصلحة الوطنية والقومية والسلم الأهلي، تقضي بانتقال السلطة، ديمقراطيا، إلى الابن. وقد تم إعداد استفتاء شعبي للحالتين. ومن شاء دعما لنزاهته وموضوعيته وانكباب الشعب عليه، أرسلنا له جيمي كارتر وفريقه، كما فعلنا في السودان.

غريبة التشابهات بين العرب. لغة واحدة وبشرة واحدة وملامح متقاربة وفقر واحد. وسلاح جوي متقارب يقصف الناس في المدن أو في الحقول. ولم يعد العرب عاربة ومستعربة، بل زادت فئاتهم إلى مندسين وعصابات وخونة وجراثيم وجرذان. والفئة الأخيرة هي التي تحفر بأسنانها ترسانة الدبابات التي كانت معدة لتوحيد أفريقيا والعالم العربي في ظل قيادة واحدة وصولجان واحد ورؤية كونية واحدة. لا نهاية للمشابهات: دماء دماء دماء، مغربا ومشرقا. وفي ما عدا الشقيقة الكبرى أفغانستان، نحن الأمة الوحيدة في الأرض التي تهدر من الدماء أكثر مما تهدر من الماء. وفي الماضي كنا نمشي وراء الزعيم هاتفين «يعيش يعيش» والآن صار لزاما علينا أن نهتف «بالروح بالدم». حتى أعضاء النوادي الأدبية والرياضية صاروا يرددون هذا المغنى الجميل، كلما نزلوا إلى مباراة أو محاضرة.

ولكن، مهلا، فهناك مفارقات أيضا. ففي تونس القيروان والجامعات و«الحزب الدستوري» صدر الحكم على الرئيس السابق في جلسة واحدة، بينما أمضى القضاء العراقي النزيه جلسات كثيرة يحاكم صدام حسين وأشقاءه ورجاله. الغرابة الأخرى أن المحكمة العراقية كانت أكثر أدبا، فسمت محكومها «الرئيس المخلوع» أما السيدة التي قرأت الحكم على بن علي فسمَّته، للاختصار، «المخلوع».

سئل أديب بريطاني عن الفرق بين التهذيب واللباقة. فقال: التهذيب هو أن تفتح باب حمام المطعم خطأ فتطالعك امرأة تعتذر منها بالقول «عفوا سيدتي»، اللباقة أن تقول لها «عفوا سيدي».