كنز لا يفنى!

TT

في عيني صور متتابعة لأناس راضين ضاحكين.. أحدهم يجلس على الأرض.. وفي استطاعتك أن تمر أمامه وأن تبتسم له، أو تحييه. انظر إلى وجهه. إنه يمتلئ بالدم والنور ويضحك ويحييك.. ولا تختفي الابتسامة بسرعة.. وإنما تظل عالقة بوجهه مضيئة كعلامات المرور.

من أين له هذا الرضا؟ هذه القناعة؟ هذه السعادة؟!

إنه يجلس على الأرض.. على قطعة من الحجر.. وظهره للحائط ورجلاه ممدودتان.

أهو يغترف من ذلك الكنز الذي يسمونه القناعة.. والقناعة كنز لا يفنى؟ أهو الصبر على ما عنده.. وليس عنده شيء؟ أهو الإيمان؟ أهي طبيعة الوجه أن يمتلئ بالنور والسعادة؟

وسيدة أخرى تحمل على رأسها «مشنة» من الفول السوداني.. وجهها لامع، وساقاها مغسولتان دائما.. وهي إذا سارت فإنها تتثنى وتوزع ابتسامتها أكثر مما توزع بضاعتها، ولا تكف عن الضحك أبدا.. ظللت أرقبها مسافة طويلة.. إن أحدا لا يشتري منها.. ومع ذلك فهي لا تبخل على أحد بابتسامة أو تحية، ولكنها تضحك دائما، وتمد يدها تأكل مما تحمل أيضا.. إنها تنوب عن الزبائن في تذوق هذا السوداني الساخن، كما تسميه.

نفس الوجه.. نفس الابتسامة.. والينبوع الخالد يتفجر من وجهها وعينيها وصوتها ومشيتها.

أهو الصبر الذي هو مفتاح الفرج؟

أهي طبيعتنا المصرية؟ ولكن هل هناك شيء اسمه «طبيعة» مصرية وطبيعة إنجليزية أو فرنسية؟ أم أنها طبيعة واحدة لكل الناس؟ أهي صفات شخصية؟ ولكن كيف تكون شخصية ويتصف بها معظم الناس؟

ورجل ثالث ورابع وخامس.

هذا الابتسام، أو هذا الضحك، أو هذه القناعة ما معناها؟ هل معناها أن هؤلاء الناس نفوسهم لم تصدأ.. وأن جذوة حياتهم لن تخمد؟ ولماذا؟ هل هي روح المقاومة لقسوة الحياة؟ أهو الإيمان الذي يمدهم بأسلحة وعتاد لا ينفد؟ أهو الانتظار الذي يتحركون فيه؟ وهل إذا كان عالمنا محدودا كانت متاعبنا أقل وهمومنا أخف؟!

إنني لا أحسد أحدا من هؤلاء على الرصيد الذي لا ينفد من الابتسام والقناعة، ولكن أتمنى القليل مما لديهم دون أن أجلس وظهري إلى الحائط أو أبيع الفكرة الجميلة جدا!